للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي بن أبي طالب وقتادة والكلبي أن هذا الحكم لم يكن إلّا ساعة من نهار ثم نسخ «١» . ومما روي أنه لم يعمل بالآية إلا علي بن أبي طالب نفسه حيث ناجى النبي صلى الله عليه وسلم وتصدق بدينار. وأن عليا قال إن آية المناجاة لم يعمل بها أحد قبلي ولا عمل بها أحد بعدي «٢» . وهذا من أمثلة ما عليه الجمهور من وقوع نسخ في الأحكام القرآنية بأحكام قرآنية مع بقاء المنسوخ تلاوة على ما شرحناه في سياق آيات سورة النحل [١٠٠- ١٠١] والبقرة [١٠٦] . على أن هناك من قال بعدم النسخ وإنما خفف في الآية التكليف عمن لا يريده وجعل على التخيير «٣» . عبارة الآية تؤيد القول الأول كما هو المتبادر. والله أعلم.

ومن المحتمل أن تكون الآية قد نزلت عقب نزول الآية الثانية بدون فاصل قرآني فوضعت بعدها. وإلّا فيكون ترتيبها للمناسبة الموضوعية.

وفي الآية صورة لما كان يظهر من المسلمين من مواقف اللجاج والتلكؤ إزاء بعض التشريعات والتكليفات المالية والجهادية مما نبهنا عليه في سياق تشريع الأنفال- الغنائم الحربية- والفيء والجهاد في سور الأنفال والحشر والنساء.

ونقول هنا ما قلناه في تلك المناسبات من أننا نرجح أن الذين استثقلوا التكليف الجديد وأشفقوا منه هم من المستجدين الذين كانوا يؤلفون أكثرية المسلمين وليسوا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، الذين سجل الله رضاءه عنهم ورضاءهم عنه في آية سورة التوبة [١٠٠] وسجلت آيات عديدة مكية ومدنية استغراقهم في دين الله وطاعته وطاعة رسوله ورويت أحاديث عديدة بفضلهم وإخلاصهم أوردناها في مناسبات سابقة وتواترت الأخبار بأنهم كانوا يبادرون إلى تلقي كل أمر رباني ونبوي بالإذعان والقبول. والتشريعات إنما تقوم على الأكثرية وهذه صورة اجتماعية عامة تظهر في مثل هذه المناسبات في كل وقت ومكان. وقد اقتضت الحكمة العدول عن التكليف بسبب ذلك.


(١) انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والزمخشري.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر تفسير القاسمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>