للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الآية الأولى خبر وجود فريق من المؤمنين والمؤمنات في مكة. وروح العبارة يلهم أوّلا أنهم كانوا يكتمون إيمانهم وأنهم لم يكونوا قليلين بحيث كان من الصعب أن يختفوا وأن يسلموا من الأذى لو وقع اشتباك حربي بين المسلمين وقريش في مكة. وليس في العبارة القرآنية معنى تأنيبي في حقهم حيث يلهم ذلك أنهم كانوا معذورين في البقاء في مكة. ولعلّهم أو لعلّ منهم من أشارت إليه آية النساء هذه وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) وآيات النساء هذه إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) ويكاد يكون من المتفق عليه أن العباس رضي الله عنه عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا من المؤمنين وقد ظلّوا في مكة إلى يوم الفتح. والمرجح أن بقاءه كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمصلحة كان يراها «١» .

ولقد روى البخاري عن ابن عباس قوله «كنت أنا وأمي من المستضعفين وفي


(١) ذكرنا في سياق تفسير آيات سورة الأنفال [٦٩- ٧١] وفي سياق تفسير آيات سورة النساء المذكورة الروايات التي تذكر خبر إسلام العباس. ولقد روى ابن هشام ج ٣ ص ٣٩٨- ٣٩٩ أن شخصا اسمه الحجاج من المسلمين ممن شهد وقعة خيبر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر إلى مكة لاقتضاء دين له في التصرف في بعض القول ليسهل عليه ذلك، فأذن له فلما بلغ مكة سأله بعض رجال قريش عن أخبار النبي وكانوا قد عرفوا أنه سار إلى خيبر ولم يعرفوا أن الحجاج قد أسلم فقال لهم عندي من الخبر ما يسرّكم: إنه هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه وأسره اليهود وهم يهمون بإرساله إليكم. فسروا أعظم سرور وسهلوا له قضاء حاجته وجاءه العباس فزعا يسأله الخبر فأخبره الحقيقة. وطلب كتمانها إلى أن يخرج فلما خرج لبس العباس حلّة وتخلّق (تطيب بالطيب وأخذ عصاه وجاء إلى الكعبة فطاف بها فقال له بعض رجال قريش: يا أبا الفضل والله هذا التجلد لحرّ المصيبة، فقال وأي مصيبة. كلا والله الذي حلفتم به لقد فتح محمد خيبر وأحرز أموالهم وتزوج بنت ملكهم (وهي زوجته صفية بنت حيي بن أخطب) حيث يستفاد من هذا الخبر ما قلناه من أن العباس كان أشبه بنائب عن النبي أو معتمد له في مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>