للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعليق على الآية لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ ... وما فيها من تلقين

ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآية. ومع أنها تبدو فصلا جديدا إلّا أن احتمال اتصالها بالآيات السابقة لها اتصال تعقيب واستطراد وارد. ولا سيما أن الآيات السابقة احتوت دعوة إلى الجهاد والبذل في سبيل الله. وهذه الآية احتوت بيان هدف من أهداف هذه الدعوة وهو توطيد الحق والعدل بين الناس.

والآية بحد ذاتها جملة تامة احتوت تلقينات إيمانية واجتماعية وقضائية وسلطانية. وبجملة واحدة احتوت تقرير استهداف قيام السلطان في الأرض لتوطيد الحق والعدل بين الناس: فالله تعالى لم يدع الناس بدون تعليم وتنبيه. فأرسل رسله إليهم بالبينات الواضحة. وأنزل عليهم كتبه لتوطيد الحق والعدل بينهم. وجعل القوة الممثلة في الأسلحة الحديدية من الوسائل النافعة لمن ينحرف ويكابر ويعاند ويحاول مظاهرة البغي والباطل على الحق والعدل ولا يرضخ لمقتضياتهما. وكل ذلك إنما هو لخير الناس وصلاحهم.

ولقد اختلفت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره من المفسرين عن أهل التأويل الأولين في صدد الميزان والحديد اللذين أنزلهما الله على رسله»

. حيث رووا أن الميزان هو الميزان المعروف الذي يتعامل الناس به في معايشهم وأن الله قد أنزله مع جبريل على نوح وأمره أن يأمر قومه بالتعامل به، وحيث رووا أيضا أن الله قد أنزل مع آدم من الحديد السندان والكلبتين والمطرقة والميقعة. وحيث رووا حديثا مرفوعا عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزل الله أربع بركات من السماء إلى الأرض وهي الحديد والنار والماء والملح» وحيث رووا مع ذلك أن الميزان هنا بمعنى العدل وأن القصد من تعبير إنزال الحديد هو خلقه وتعليم الناس الانتفاع به في شتى الوجوه من حفر الأرض والجبال وبخاصة في صنع السلاح الذي فيه ردع للناس وهو ما عبر عنه


(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والزمخشري والطبرسي وابن كثير والخازن.

<<  <  ج: ص:  >  >>