للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدى يستمد منهما المسلم قوة روحية عظيمة ويجعلانه يدرك وجوب الاعتماد على الله والإخلاص له وحده وعدم التأثر بالمصالح الشخصية وجعلها تحرفه عن ذلك وعدم التضامن مع غير المخلصين مثله مهما اشتدت بينه وبينهم الروابط، وكون ذلك هو الذي يكفل له النصر والتأييد الربانيين بقطع النظر عن القلة والكثرة.

وهذا مما تكرر في مناسبات عديدة سابقة بأساليب متنوعة.

ويوم حنين المذكور في الآيات هو وقعة حربية نشبت بين المسلمين وقبائل هوازن بعد فتح مكة. وملخص ما روته الروايات عنها «١» أن هذه القبائل كانت حليفة لقريش مثل قبائل ثقيف وأن قريشا حينما علمت بزحف النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أرسلت إليها تستنجد بها فتحركت للنجدة. ولكن زحف النبي صلى الله عليه وسلم كان أسرع وتمّ استيلاؤه على مكة قبل أن تصل النجدات فعاد فريق من ثقيف إلى منازله وبقي فريق مع هوازن وتحشدوا في وادي حنين على بعد ثلاث ليال من مكة نحو الطائف.

وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يستطلع خبرهم فعاد الرسول يقول إنهم مجمعون على الحرب وإن المدد متواصل إليهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوائل شوال على رأس (١٢٠٠٠) فيهم نحو ألفين ممن أسلم من أهل مكة حتى لقد قال النبي أو أبو بكر أو رجل من بكر على اختلاف الروايات: لن نغلب اليوم من قلة. وكان قائد القبائل مالك بن عوف. واشتبك الفريقان. وكان عدد جيش مالك نحو أربعة آلاف. غير أنه كان فيهم رماة ماهرون. فلما اشتبك الفريقان ظهر من جانب بعض المسلمين استهتار بالعدو لقلته وكثرتهم. ورشق الرماة المسلمين بمدرار من النبل فأدى هذا وذاك إلى اضطراب صفوف المسلمين وفرار أكثرهم من الميدان عدا النبي صلى الله عليه وسلم كعادته وأبي بكر وعمر والعباس وعليّ والفضل وآخرون من أصحاب رسول الله المخلصين رضي الله عنهم. وأخذ ينادي الناس بصوته: يا أنصار الله يا أنصار رسول الله. فلم يلبث المسلمون أن هدأ روعهم وأنزل الله السكينة عليهم وعادوا إلى الميدان هاتفين: لبيك لبيك ثم حملوا على المشركين حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن


(١) انظر ابن سعد ج ٣ ص ٢٠٠- ٢١٢، وابن هشام ج ٤ ص ٦٥- ١٤٩، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٤٤- ٣٦٠. وتفسير الطبري وتفسير البغوي أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>