للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترعى حرمة العين كما ترعى حرمة العدد. وهذا مما زيّن للكافرين من عاداتهم السيئة فلا يجوز للمسلمين أن يتبعوه.

وقد جاء في الفقرة الأخيرة من الآية الأولى حثّ للمسلمين على قتال المشركين كافة ومجتمعين ومتضامنين كما يقاتلهم المشركون كذلك. وتطمين لهم بأن الله تعالى مع المتقين لحرماته يؤيدهم وينصرهم.

ولا يروي المفسرون فيما اطلعنا عليه رواية خاصة في سبب نزول الآيتين اللتين تبدوان في الظاهر أن لا صلة لهما بما قبلهما ولا بما بعدهما. وكل ما قاله الطبري أن فيهما حثّا للمسلمين على قتال المشركين جميعا متفقين ومؤتلفين وغير متفرقين كما يفعلون هم ذلك. ولم يذكر تأويلا لسبب ذكر عدة الشهور والأشهر الحرم والنسيء. وقال البغوي وابن كثير إن جملة وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً هي في صدد تبرير حصار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين للطائف في شهر ذي القعدة المحرم استمرارا لما بدأ به في شوال. وحصار الطائف كان بعد قليل من فتح مكة ويوم حنين أي في السنة الثامنة على ما ذكرناه قبل. وهذه الآيات نزلت في سياق آيات أخرى بين يدي غزوة تبوك التي كانت بعد سنة تقريبا من ذلك. ولا تبدو حكمة من إقحام ذلك في هذا السياق. ولم يذكر المفسران بدورهما شيئا من أسباب وحكمة ذكر عدة الشهور والنسيء. وليس في كتب التفسير الأخرى التي بين أيدينا شيء مهم آخر في هذا الصدد.

ولقد ذكرت الروايات أن غزوة تبوك قد كانت في شهر رجب من العام الهجري التاسع «١» . وذكرت كذلك أن وقفة الحجّ في الحجة التي حجّها أبو بكر رضي الله عنه في هذا العام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ونيابة عنه كانت في شهر ذي القعدة بدلا من شهر ذي الحجة «٢» بناء على إعلان إنساء في العام السابق. حيث صار بهذا الإعلان الأشهر الحرم الثلاثة المتوالية شوال وذا القعدة وذا الحجة بدلا من ذي


(١) انظر ابن سعد ج ٣ ص ٢١٨.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>