للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجموعة منه مع بعض ما جاء في نفس المجموعة، ومنها ما يصطبغ بصبغة الأهواء الحزبية الأولى أو فيه رائحتها، ومنها ما يبدو عليه قرائن قصد التوفيق أو التلفيق غير أن من الحق أن يقال إن المجموعة الثالثة أكثر توثقا في الإجمال من جهة وأكثر اتساقا مع طبائع الأمور والظروف من جهة أخرى.

فالقرآن أعظم مظاهر النبوة ومعجزتها الخالدة، وكان مدار الاحتجاج والدعوة مع العرب والكتابيين الذين كانت لهم كتبهم المتداولة في أيديهم وقد تكرر في القرآن كثيرا الإشارة إلى كتب الكتابيين من جهة وذكر الكتاب بمعنى القرآن كثيرا من جهة أخرى فلا يعقل في حال أن يهمل النبي عليه السلام تدوين ما كان ينزل عليه من الوحي القرآني، والعناية بهذا التدوين عناية فائقة، والحرص على حفظ المدونات حرصا شديدا بل والمعقول أن يكون ذلك من أمهات مشاغل النبي المستمرة أيضا وهذا يجعلنا نعتقد أن ما روي من أن القرآن كان يدون على قطع عظيمة الحجم ثقيلة الوزن صعبة الحمل والحفظ والترتيب كأضلاع النخيل وأكتاف العظام ورقاق الحجارة والخشب لا يمكن أن يكون هو الواقع على إطلاقه، كما أن هذا القول يطرد في ما يمكن أن يستتبع ذلك من فقدان أو نقص وسائل الكتابة اللينة المعروفة في ذلك العصر في البلاد المجاورة كالقرطاس والورق والحرير والقماش والرقوق الناعمة المسواة. ولقد قيل فيما قيل إن نطاق القراءة والكتابة كان ضيقا جدا في مكة والمدينة مما يمكن أن يظن أن هذا متصل بالنقطة الأولى أو من أسبابها. وهذا أيضا لا يمكن التسليم بصحته على إطلاقه كذلك.

ونحن لا نرسل هذا النفي جزافا. فالثابت علميا وبصورة لا تقبل المراء أن الخط العربي الذي كان مستعملا في بيئة النبي وعصره يمتد وجوده إلى عشرات السنين قبل بعثته كما أنه متطور عن أشكال لخطوط أخرى كان يستعملها عرب الشام واليمن، وكذلك فإن من الثابت علميا أن ذلك الخط كان منتشرا بمقياس غير ضيق في بلاد الشام واليمن والحجاز والعراق حتى كان يشمل بدو هذه البلاد ولو بمقياس ضيق. وما جاء في بعض الكتب العربية عن نشأة الخط العربي ووصوله

<<  <  ج: ص:  >  >>