للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) مِنْ مِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَعَارِضُوهُ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ وَاسْتَعِينُوا عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُهَدَاءُكُمْ أعوانكم، وقال السدي عن أبي مالك:

شركاءكم، أي قوما آخرين يساعدونكم على ذلك، أَيِ اسْتَعِينُوا بِآلِهَتِكُمْ فِي ذَلِكَ يَمُدُّونَكُمْ وَيَنْصُرُونَكُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ قَالَ: نَاسٌ يَشْهَدُونَ بِهِ يَعْنِي حُكَّامَ الْفُصَحَاءِ. وَقَدْ تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْقَصَصِ: ٤٩] وَقَالَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الْإِسْرَاءِ: ٨٨] وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [هُودٍ: ١٣] وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يُونُسَ: ٣٧- ٣٨] وَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَكِّيَّةٌ، ثم تحداهم بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ فِي هَذِهِ الآية وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ- أي شَكٍّ- مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا- يَعْنِي مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلم- فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ يعني من مثل الْقُرْآنِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ والزمخشري والرازي، ونقله عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن البصري، وأكثر المحققين، ورجح ذلك بوجوه من أحسنها أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم وذلك أكمل من التحدي وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئا من العلوم وبدليل قوله تعالى: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هُودٍ: ١٣] وَقَوْلُهُ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الْإِسْرَاءِ: ٨٨] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي مِنْ رَجُلٍ أُمِّيٍّ مِثْلِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ التَّحَدِّيَ عَامٌّ لَهُمْ كُلُّهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ أَفْصَحُ الْأُمَمِ، وَقَدْ تَحَدَّاهُمْ بِهَذَا فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ مَعَ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ وَبُغْضِهِمْ لِدِينِهِ، وَمَعَ هَذَا عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا وَلَنْ لنفي التأبيد في المستقبل أَيْ: وَلَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ أَبَدًا وَهَذِهِ أَيْضًا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبرا جازما قاطعا مقدما غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ لَمْ يُعَارَضْ مِنْ لَدُنْهُ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا وَلَا يُمْكِنُ، وَأَنَّى يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَحَدٍ وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَيْفَ يُشْبِهُ كَلَامُ الْخَالِقِ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ.

وَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَجَدَ فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ فُنُونًا ظَاهِرَةً وَخَفِيَّةً مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هُودٍ: ١] فَأُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى الْخِلَافِ فَكُلٌّ مِنْ لَفْظِهِ ومعناه فصيح

<<  <  ج: ص:  >  >>