للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أبا عبد الرحمن الحنبلي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ. فَقَالَ: إِنَّ لِي خَادِمًا. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَلِ الْمُلْكُ إِلَّا مَرْكَبٌ وَخَادِمٌ وَدَارٌ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» ، ثُمَّ رُوِيَ عن الحكم ومجاهد ومنصور وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نَحْوًا مِنْ هَذَا. وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ وَاسْتُؤْذِنَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَلِكٌ وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَوَّلَ مَنْ اتخذ الْخَدَمَ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً قال: يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَدَابَّةٌ وَامْرَأَةٌ، كُتِبَ مَلِكًا، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أنس بن عياض، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمٍ يَقُولُ: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ، وَهَذَا مُرْسَلٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ مَالِكٌ:

بَيْتٌ وَخَادِمٌ وَزَوْجَةٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» .

وَقَوْلُهُ وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ يعني عالمي زمانكم، فإنهم كَانُوا أَشْرَفَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ مِنَ الْيُونَانِ وَالْقِبْطِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ، كَمَا قَالَ وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْجَاثِيَةِ: ١٦] وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى لَمَّا قَالُوا اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الأعراف: ١٤٠] والمقصود أنهم كانوا أفضل زَمَانِهِمْ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْرَفُ مِنْهُمْ، وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَكْمَلُ شَرِيعَةً، وَأَقْوَمُ مِنْهَاجًا، وَأَكْرَمُ نَبِيًّا، وَأَعْظَمُ مُلْكًا، وَأَغْزَرُ أَرْزَاقًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، وَأَوْسَعُ مَمْلَكَةً، وَأَدُومُ عِزًّا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الْبَقَرَةِ: ١٤٣] ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْمُتَوَاتِرَةَ فِي فَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَشَرَفِهَا وَكَرَمِهَا عِنْدَ اللَّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٠] من سورة آل عمران.


(١) تفسير الطبري ٤/ ٥١٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>