للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَنْ نَجْدَةَ الْحَنَفِيِّ، قَالَ:

سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أَخَاصٌّ أَمْ عَامٌّ؟ فَقَالَ: بَلْ عَامٌّ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَمَسَّكُوا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» «٢» وَأَمَّا الْجُمْهُورُ، فَاعْتَبَرُوا النِّصَابَ فِي السَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمُ الْخِلَافُ فِي قَدْرِهِ، فَذَهَبَ كُلٌّ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إِلَى قَوْلٍ عَلَى حِدَةٍ، فَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ النِّصَابُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ خَالِصَةٍ، فَمَتَى سَرَقَهَا أَوْ ما يبلغ ثمنها فما فوقه، وَجَبَ الْقَطْعُ، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قال: «قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «٣» ، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَطَعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ فِي زمن عُثْمَانَ أُتْرُجَّةً، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ درهما، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ. قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ:

وَمِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ يُشْتَهَرُ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَمِنْ مِثْلِهِ يُحْكَى الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْقَطْعِ فِي الثِّمَارِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ خِلَافًا لَهُمْ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ دِينَارٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ مِنَ الْأَثْمَانِ أَوِ الْعُرُوضِ فَصَاعِدًا، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» «٤» وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» قَالَ أَصْحَابُنَا: فَهَذَا الْحَدِيثُ فَاصِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَنَصٌّ فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ الدِّينَارِ لَا مَا سَاوَاهُ. قَالُوا:

وَحَدِيثُ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَنَّهُ كَانَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَا يُنَافِي هَذَا لِأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ كَانَ الدِّينَارُ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فهي ثمن ربع دينار، فأمكن الجمع بهذا الطَّرِيقِ، وَيُرْوَى هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ يَقُولُ عُمَرُ بن عبد العزيز


(١) تفسير الطبري ٤/ ٥٧٠.
(٢) صحيح مسلم (حدود حديث ٧) وسنن ابن ماجة (حدود باب ٢٢) وسنن النسائي (سارق باب ١) .
(٣) صحيح مسلم (حدود حديث ٦) وسنن أبي داود (حدود باب ١٢) وسنن الترمذي (حدود باب ١٦) وسنن النسائي (سارق باب ٨) وموطأ مالك (حدود حديث ٢١) .
(٤) صحيح البخاري (حدود باب ١٣) وصحيح مسلم (حدود حديث ٢) وسنن النسائي (سارق باب ٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>