للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَشَّرُوا بِوُجُودِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ وَصِفَتِهِ، وَبَلَدِهِ وَمُهَاجَرِهِ وَصِفَةِ أُمَّتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ بعده الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْ خَسِرُوا كُلَّ الْخَسَارَةِ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْجَلِيِّ الظَّاهِرِ الَّذِي بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَنَوَّهَتْ بِهِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أَيْ لَا أَظْلَمُ مِمَّنْ تَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ، فَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَرْسَلَهُ، ثُمَّ لَا أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ وَدَلَالَاتِهِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أَيْ لَا يُفْلِحُ هَذَا وَلَا هَذَا، لا المفتري ولا المكذب.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٦]

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِهِ، قَائِلًا لَهُمْ أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ كقوله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: ٦٢] وقوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ أَيْ حُجَّتُهُمْ وَقَالَ عطاء الخراساني عنه: أَيْ مَعْذِرَتُهُمْ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ قِيلُهُمْ وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ بَلِيَّتُهُمْ حِينَ ابْتُلُوا إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ قِيلُهُمْ عِنْدَ فِتْنَتِنَا إياهم، اعتذارا عما سَلَفَ مِنْهُمْ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس قال: أتاه رجل فقال:

يا ابن عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِلَّا أَهْلُ الصَّلَاةِ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا فَلْنَجْحَدْ فَيَجْحَدُونَ، فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَشْهَدُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، فَهَلْ فِي قَلْبِكَ الْآنَ شَيْءٌ؟ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ القرآن إلا ونزل فِيهِ شَيْءٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَجْهَهُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ، وفيه نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالْمُنَافِقُونَ إِنَّمَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، وَالَّتِي نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ آيَةُ الْمُجَادَلَةِ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

<<  <  ج: ص:  >  >>