للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ يَعْنِي الْفَقْرَ وَالضِّيقَ فِي الْعَيْشِ، وَالضَّرَّاءِ وَهِيَ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أَيْ يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَيَخْشَعُونَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا أَيْ فَهَلَّا إِذِ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ، تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وتمسكنوا لدينا، وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أَيْ مَا رَقَّتْ وَلَا خَشَعَتْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ أي من الشرك والمعاندة وَالْمَعَاصِي، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَيْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَنَاسَوْهُ، وَجَعَلُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الرِّزْقِ مِنْ كُلِّ مَا يَخْتَارُونَ، وَهَذَا اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ تَعَالَى وَإِمْلَاءٌ لَهُمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ مَكْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَيْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَرْزَاقِ، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أَيْ عَلَى غَفْلَةٍ، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أَيْ آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.

قَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمُبْلِسُ الْآيِسُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَمْكُرُ بِهِ، فَلَا رَأْيَ لَهُ، وَمَنْ قُتِرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَنَّهُ يَنْظُرُ لَهُ، فَلَا رَأْيَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ قال: مَكَرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بَغَتَ الْقَوْمَ أَمْرُ اللَّهِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ قَوْمًا قَطُّ، إِلَّا عِنْدَ سَكْرَتِهِمْ وَغَرَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ، فلا تغتروا بالله، فإنه لَا يَغْتَرُّ بِاللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا.

وَقَالَ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ: رخاء الدنيا ويسرها، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا رِشْدِينَ- يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمَهْرِيَّ- عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَرْمَلَةَ وَابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عِرَاكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي عبلة، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بِقَوْمٍ بَقَاءً أَوْ نَمَاءً رَزَقَهُمُ الْقَصْدَ وَالْعَفَافَ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ اقْتِطَاعًا، فَتَحَ لَهُمْ- أَوْ فَتْحَ عَلَيْهِمْ- بَابَ خِيَانَةٍ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ كما قال


(١) مسند أحمد ٤/ ١٤٥.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>