للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أَحْمَدُ «١» أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَقْنِي عَلَى مَنْكِبِهِ، لِأَنْظُرَ إِلَى زَفْنِ «٢» الْحَبَشَةِ حَتَّى كُنْتُ الَّتِي مَلِلْتُ فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

قَالَ لِي عُرْوَةُ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» .

أَصْلُ الْحَدِيثِ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالزِّيَادَةُ لَهَا شَوَاهِدُ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ طُرُقَهَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يَأْمُرُهُ تَعَالَى أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَذْبَحُونَ لِغَيْرِ اسْمِهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لِلَّهِ وَنُسُكَهُ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الْكَوْثَرِ: ٢] أَيْ أخلص له صلاتك وذبحك، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَذْبَحُونَ لَهَا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمُخَالَفَتِهِمْ وَالِانْحِرَافِ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَالْإِقْبَالِ بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي النُّسُكُ الذَّبْحُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنُسُكِي قَالَ ذَبْحِي، وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حدثنا أحمد بن خالد الذهبي، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عيد النحر بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ حِينَ ذَبَحَهُمَا وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

وقوله عز وجل وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ كُلَّهُمْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَصْلُهُ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا قَالَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥] وقد أخبرنا تَعَالَى عَنْ نُوحٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يُونُسَ: ٧٢] وَقَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ


(١) مسند أحمد ٦/ ١١٦.
(٢) زفن الحبشة: لعبهم، كما جاء في المسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>