للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ أَيْ فِيهِمُ الصالح وغير ذلك كقول الْجِنُّ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً [الْجِنِّ: ١١] وَبَلَوْناهُمْ أَيِ اخْتَبَرْنَاهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ أَيْ بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى الآية يَقُولُ تَعَالَى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْجِيلِ الَّذِينَ فِيهِمُ الصَّالِحُ وَالطَّالِحُ خَلْفٌ آخَرُ لَا خير فيهم وقد ورثوا دراسة الْكِتَابِ وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ النَّصَارَى «١» .

وَقَدْ يَكُونُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أَيْ يَعْتَاضُونَ عَنْ بَذْلِ الْحَقِّ وَنَشْرِهِ بِعَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُسَوِّفُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَعِدُونَهَا بِالتَّوْبَةِ وَكُلَّمَا لَاحَ لَهُمْ مِثْلُ الْأَوَّلِ وَقَعُوا فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ وكما قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَعْمَلُونَ الذَّنْبَ ثُمَّ يستغفرون الله منه ويعترفون لله فإن عرض ذلك الذنب أخذوه «٢» .

وقال مجاهد في قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى قَالَ لَا يُشْرُفُ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا أَخَذُوهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا وَيَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَةَ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ «٣» ، وقال قتادة في الآية أَيْ وَاللَّهِ لَخَلَفُ سُوءٍ وَرِثُوا الْكِتابَ بَعْدَ أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله وعهد إليهم، وقال الله تعالى فِي آيَةٍ أُخْرَى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ [مريم: ٥٩] الآية قَالَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا تَمَنَّوْا عَلَى اللَّهِ أَمَانِيَّ وَغَرَّةً يَغْتَرُّونَ بِهَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ لَا يشغلهم شَيْءٍ وَلَا يَنْهَاهُمْ شَيْءٌ عَنْ ذَلِكَ كُلَّمَا هف لهم شيء من الدنيا أكلوه لا يُبَالُونَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا «٤» .

وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَوْلِهِ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ إِلَى قَوْلِهِ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَا يَسْتَقْضُونَ قَاضِيًا إِلَّا ارْتَشَى فِي الْحُكْمِ وَإِنَّ خِيَارَهُمُ اجْتَمَعُوا فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا اسْتَقْضَى ارْتَشَى فَيُقَالُ لَهُ مَا شَأْنُكَ تَرْتَشِي فِي الْحُكْمِ؟ فَيَقُولُ سَيَغْفِرُ لِي، فَتَطْعَنُ عَلَيْهِ الْبَقِيَّةُ الْآخَرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا صَنَعَ فَإِذَا مَاتَ أَوْ نَزَعَ وَجُعِلَ مَكَانَهُ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَطْعَنُ عَلَيْهِ فَيَرْتَشِي، يَقُولُ وَإِنْ يَأْتِ الْآخَرِينَ عَرْضُ الدُّنْيَا يَأْخُذُوهُ «٥» .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ الآية يقول


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٠٥.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٠٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٠٦.
(٤) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٠٦.
(٥) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>