للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ، قَالَ:

فَأَذِنَ اللَّهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مَالِكٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ نَحْوُ هَذَا، وَقَدْ قيل: إن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صُدُورَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَا: قَالَ فِي الْأَنْفَالِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ- إِلَى قَوْلِهِ- فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، فَقُوتِلُوا بِمَكَّةَ فَأَصَابَهُمْ فِيهَا الْجُوعُ وَالضُّرُّ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نميلة يَحْيَى بْنِ وَاضِحٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عطاء عن ابن عباس وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ثُمَّ استثنى أهل الشرك فقال وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «٢» .

وَقَوْلُهُ- وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ وَكَيْفَ لَا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أي الذي بمكة يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ فيه وَالطَّوَافِ بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ أَيْ هُمْ لَيْسُوا أَهْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّمَا أَهْلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التَّوْبَةِ: ١٦- ١٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة: ٢١٧] ، الْآيَةَ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ هُوَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ صَدَقَةَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أولياؤك؟ قَالَ: «كُلُّ تَقِيٍّ» وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم


(١) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٦.
(٢) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>