للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ أَيْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم يُضاهِؤُنَ أَيْ يُشَابِهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ ضَلُّوا كَمَا ضل هؤلاء قاتَلَهُمُ اللَّهُ قال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ؟ أَيْ كَيْفَ يَضِلُّونَ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَعْدِلُونَ إِلَى الْبَاطِلِ؟

وَقَوْلُهُ: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّ إِلَى الشَّامِ وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأُسِرَتْ أُخْتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ ثُمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُخْتِهِ وَأَعْطَاهَا فَرَجَعَتْ إلى أخيها فرغبته فِي الْإِسْلَامِ وَفِي الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقدم عدي إلى الْمَدِينَةَ وَكَانَ رَئِيسًا فِي قَوْمِهِ طَيِّئٍ وَأَبُوهُ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْكَرَمِ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُدُومِهِ فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِ عَدِيٍّ صَلِيبٌ مِنْ فِضَّةٍ وهو يقرأ هَذِهِ الْآيَةَ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ فَقَالَ: «بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ وَأَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا عدي ما تقول؟ أيضرك أَنْ يُقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أكبر من الله ما يضرك أيضرك أَنْ يُقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهَلْ تعلم إلها غير اللَّهُ؟» ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ شهادة الحق قال فلقد رأيت وجه اسْتَبْشَرَ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ» «١» .

وَهَكَذَا قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا فِي تَفْسِيرِ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهُمُ اتَّبَعُوهُمْ فِيمَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: استنصحوا الرجال ونبذوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أَيْ الَّذِي إِذَا حَرَّمَ الشَّيْءَ فَهُوَ الْحَرَامُ وَمَا حلله فهو الحلال وَمَا شَرَعَهُ اتُّبِعَ وَمَا حَكَمَ بِهِ نُفِّذَ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيْ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَعْوَانِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَوْلَادِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)

يَقُولُ تَعَالَى: يُرِيدُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ أي ما بعث بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بِمُجَرَّدِ جِدَالِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُطْفِئَ شُعَاعَ الشَّمْسِ أَوْ نُورَ الْقَمَرِ بِنَفْخِهِ وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلَ به


(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٩، باب ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>