للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورئاستهم فِي النَّاسِ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ كَمَا كَانَ لِأَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ شَرَفٌ وَلَهُمْ عِنْدُهُمْ خَرْجٌ وَهَدَايَا وَضَرَائِبُ تَجِيءُ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ طَمَعًا مِنْهُمْ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ تِلْكَ الرِّيَاسَاتُ فَأَطْفَأَهَا اللَّهُ بنور النبوة وسلبهم إياها وعوضهم الذل والصغار وباؤوا بغضب من الله تعالى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ وَهُمْ مَعَ أَكْلِهِمُ الْحَرَامَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَيُلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَيُظْهِرُونَ لِمَنِ اتبعهم من الجهلة أنهم يدعونه إِلَى الْخَيْرِ وَلَيْسُوا كَمَا يَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ. وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ، هَؤُلَاءِ هم القسم الثالث من رؤوس النَّاسِ فَإِنَّ النَّاسَ عَالَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْعُبَّادِ وَعَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَإِذَا فَسَدَتْ أَحْوَالُ هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال ابن المبارك:

وَهَلْ أفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا

وَأَمَّا الْكَنْزُ فَقَالَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عمر هو المال الذي لا تؤدى زكاته، وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ وَمَا كَانَ ظَاهِرًا لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عباس وجابر وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا، وقال عمر بن الخطاب نحوه أَيُّمَا مَالٍ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ، وَأَيُّمَا مَالٍ لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نزلت جعلها الله طهرة لِلْأَمْوَالِ، وَكَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ قَالَ: حِلْيَةُ السُّيُوفِ مِنَ الكنز. ما أحدثكم إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَا دونها نفقة فما كان أكثر من ذلك فَهُوَ كَنْزٌ «١» وَهَذَا غَرِيبٌ وَقَدْ جَاءَ فِي مَدْحِ التَّقَلُّلِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَمِّ التَّكَثُّرِ مِنْهُمَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.

وَلْنُورِدْ مِنْهَا هُنَا طَرَفًا يدل على الباقي قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الآية. قال النبي: «تَبًّا لِلذَّهَبِ تَبًّا لِلْفِضَّةِ» يَقُولُهَا ثَلَاثًا قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: فَأَيُّ مَالٍ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا أَعْلَمُ لكم ذلك فقال:


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>