للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ فِي الْآيَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا كَانَ النَّفِيرُ إِلَى دُرُوبِ الرُّومِ نَفَرَ النَّاسُ إِلَيْهَا خِفَافًا وَرُكْبَانًا وَإِذَا كَانَ النَّفِيرُ إِلَى هَذِهِ السَّوَاحِلِ نَفَرُوا إِلَيْهَا خِفَافًا وَثِقَالًا وَرُكْبَانًا وَمُشَاةً وَهَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ قَوْلُهُ: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا يَقُولُ غَنِيًّا وَفَقِيرًا وَقَوِيًّا وَضَعِيفًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ زَعَمُوا أَنَّهُ الْمِقْدَادُ وَكَانَ عَظِيمًا سَمِينًا فَشَكَا إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَأَبَى فَنَزَلَتْ يَوْمَئِذٍ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشتد على الناس فَنَسَخَهَا اللَّهُ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ شَهِدَ أَبُو أَيُّوبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غزاة للمسلمين إِلَّا عَامًا وَاحِدًا قَالَ وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ يقول: قال الله تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فَلَا أَجِدُنِي إِلَّا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ حدثنا بقية حدثنا جرير حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيُّ قَالَ: وَافَيْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى تَابُوتٍ مِنْ تَوَابِيتِ الصَّيَارِفَةِ بِحِمْصَ وقد فصل عَنْهَا مِنْ عِظَمِهِ يُرِيدُ الْغَزْوَ فَقُلْتُ: لَهُ قد أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَقَالَ: أَتَتْ عَلَيْنَا سُورَةُ البعوث «٣» انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا.

وقال ابن جرير «٤» : حدثني حبان بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ قَالَ: نَفَرْنَا مَعَ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ وَالِيًا عَلَى حِمْصَ قِبَلَ الأفسوس إلى الجراجمة فرأيت شيخا كبيرا همّا قد سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِيمَنْ أَغَارَ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا عَمِّ لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ قَالَ فَرَفَعَ حَاجِبَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي اسْتَنْفَرَنَا الله خفافا وثقالا ألا إِنَّهُ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ فَيُبْقِيهِ وَإِنَّمَا يَبْتَلِي اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ شَكَرَ وَصَبَرَ وَذَكَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ رَغَّبَ تَعَالَى فِي النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ وَبَذْلِ الْمُهَجِ فِي مَرْضَاتِهِ وَمَرْضَاةِ رَسُولِهِ فَقَالَ:

وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا والآخرة لأنكم تَغْرَمُونَ فِي النَّفَقَةِ قَلِيلًا فَيُغْنِمُكُمُ اللَّهُ أَمْوَالَ عَدُوِّكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه


(١) تفسير الطبري ٦/ ٣٧٨.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٣٧٨.
(٣) قال الأستاذ شاكر في حاشية تفسير الطبري ٦/ ٣٧٨: لم أجد من سمى سورة التوبة سورة البعوث، بل أجمعوا على تسميتها سورة البحوث، سميت بها لما تضمنت من البحث في أسرار المنافقين.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>