للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَرَاهِينِهِ الدَّامِغَةِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الْأَنْفَالِ: ٤٢] وَقَوْلُهُ:

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ الآية، أَيْ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَجَّلَ الْخَلْقَ إِلَى أجل معدود لقضى بينهم فيما اختلفوا فيه فأسعد المؤمنين وأعنت الكافرين.

[[سورة يونس (١٠) : آية ٢٠]]

وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)

أي ويقول هؤلاء الكفرة الْمُكَذِّبُونَ الْمُعَانِدُونَ: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يَعْنُونَ كَمَا أَعْطَى اللَّهُ ثَمُودَ النَّاقَةَ أَوْ أَنْ يُحَوِّلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبَا أَوْ يُزِيحَ عَنْهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ وَيَجْعَلَ مَكَانَهَا بساتين وأنهارا أو نحو ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ عَلَيْهِ قَادِرٌ وَلَكِنَّهُ حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً [الفرقان: ١٠- ١١] وكقوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الإسراء: ٥٩] الآية، يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ سُنَّتِي فِي خَلْقِي أَنِّي إِذَا آتَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، فَإِنْ آمَنُوا وَإِلَّا عَاجَلْتُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ. وَلِهَذَا لَمَّا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإلا عذبوا وبين إنظارهم اخْتَارَ إِنْظَارَهُمْ كَمَا حَلَمَ عَنْهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى إرشادا لنبيه صلى الله عليه وسلم إِلَى الْجَوَابِ عَمَّا سَأَلُوا: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أَيْ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَهُوَ يَعْلَمُ الْعَوَاقِبَ فِي الْأُمُورِ.

فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ لَا تُؤَمِّنُونَ حَتَّى تُشَاهِدُوا مَا سَأَلْتُمْ فَانْتَظَرُوا حُكْمَ اللَّهِ فِيَّ وَفِيكُمْ. هَذَا مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ شَاهَدُوا مِنْ آياته صلى الله عليه وسلم أَعْظَمَ مِمَّا سَأَلُوا حِينَ أَشَارَ بِحَضْرَتِهِمْ إِلَى القمر ليلة إبداره فانشق اثنتين فِرْقَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ وَفِرْقَةٍ مِنْ دُونِهِ. وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ الْأَرْضِيَّةِ مِمَّا سَأَلُوا وَمَا لَمْ يَسْأَلُوا، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبيتا لَأَجَابَهُمْ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَسْأَلُونَ عِنَادًا وَتَعَنُّتًا فَتَرَكَهُمْ فِيمَا رَابَهُمْ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يؤمن منهم أحد كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ [يونس: ٩٦- ٩٧] الآية. وقوله تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْأَنْعَامِ: ١١١] الآية، ولما فيهم من المكابرة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ [الحجر: ١٤] الآية، وقوله تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً [الطور: ٤٤] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الْأَنْعَامِ: ٧] فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُجَابُوا إِلَى مَا سَأَلُوهُ لأنه لا فائدة في جوابهم لِأَنَّهُ دَائِرٌ عَلَى تَعَنُّتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ لِكَثْرَةِ فُجُورِهِمْ وَفَسَادِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ: فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>