للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢١ الى ٢٣]

وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ إِذَا أَذَاقَ النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ كَالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَالْخِصْبِ بَعْدَ الْجَدْبِ، وَالْمَطَرِ بَعْدَ الْقَحْطِ وَنَحْوَ ذَلِكَ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قَالَ مُجَاهِدٌ: اسْتِهْزَاءٌ وتكذيب كقوله: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً [يونس: ١٢] الآية، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ عَلَى أَثَرِ سماء كانت من الليل أي مطر ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» «١» .

وَقَوْلُهُ: قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أَيْ أَشَدُّ اسْتِدْرَاجًا وَإِمْهَالًا حَتَّى يَظُنَّ الظَّانَّ مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَذَّبٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُهْلَةٍ ثُمَّ يُؤْخَذُ عَلَى غِرَّةٍ مِنْهُ وَالْكَاتِبُونَ الْكِرَامُ يَكْتُبُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ وَيُحْصُونَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْرِضُونَهُ عَلَى عَالِمِ الْغَيْبِ والشهادة فيجازيه على الجليل والحقير وَالنَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ.

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أَيْ يَحْفَظُكُمْ وَيَكْلَؤُكُمْ بِحِرَاسَتِهِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها أَيْ بِسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ رَافِقِينِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جاءَتْها أَيْ تِلْكَ السُّفُنَ رِيحٌ عاصِفٌ أَيْ شَدِيدَةٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أَيْ اغْتَلَمَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ «٢» وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أَيْ هَلَكُوا دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أَيْ لَا يَدْعُونَ مَعَهُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا بل يفردونه بالدعاء والابتهال كقوله تَعَالَى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً [الْإِسْرَاءِ: ٦٧] .

وَقَالَ هَاهُنَا: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ أَيْ هَذِهِ الْحَالُ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَيْ لَا نُشْرِكُ بِكَ أَحَدًا وَلَنُفْرِدَنَّكَ بِالْعِبَادَةِ هُنَاكَ كَمَا أَفْرَدْنَاكَ بِالدُّعَاءِ هَاهُنَا، قال الله


(١) أخرجه البخاري في الاستسقاء باب ٢٨، ومسلم في الإيمان حديث ١٢٥.
(٢) اغتلم البحر عليهم: أي اشتد وهاج واضطرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>