للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُشْرِكُونَ أَنْوَاعٌ وَأَقْسَامٌ كَثِيرُونَ قَدْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيِّنَ أَحْوَالَهُمْ وَأَقْوَالَهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فيما هم فيه أتم رد، وقال تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ أَيْ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُخْتَبَرُ كُلُّ نَفْسٍ وَتَعْلَمُ ما سلف من عملها من خير وشر كقوله تَعَالَى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ [الطَّارِقِ: ٩] وَقَالَ تَعَالَى: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

[الْقِيَامَةِ: ١٣] وَقَالَ تَعَالَى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء: ١٣- ١٤] وقد قرأ بعضهم هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمت من خير وشر وفسرها بعضهم بحديث «لتتبع كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ» «١» الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَيْ وَرَجَعْتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا إِلَى اللَّهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ فَفَصَّلَهَا وَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ وَضَلَّ عَنْهُمْ أَيْ ذَهَبَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ افْتِرَاءً عليه.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣١ الى ٣٣]

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)

يَحْتَجُّ تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِاعْتِرَافِهِمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ عَلَى وحدانية الآلهة فقال تعالى:

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَيْ مَنْ ذَا الَّذِي يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءَ الْمَطَرِ فَيَشُقُّ الْأَرْضَ شَقًا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عَبَسَ: ٢٧- ٣١] أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ [الملك: ٢١] وقوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ [يُونُسَ: ٣١] أَيْ الَّذِي وَهَبَكُمْ هَذِهِ الْقُوَّةَ السَّامِعَةَ، وَالْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ، وَلَوْ شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقوله تَعَالَى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ [الملك: ٢٣] الآية.

وَقَالَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ [الأنعام: ٤٦] الآية وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أَيْ بِقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَمِنَّتِهِ الْعَمِيمَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وأن الآية عامة لذلك كُلِّهِ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أَيْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يسألون يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: ٢٩]


(١) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٤، والرقاق باب ٥٢، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>