للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا أُبَالِيكُمْ وَلَا أَخَافُ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ كَمَا قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ [هود: ٥٤- ٥٦] الآية.

وقوله فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَيْ كَذَّبْتُمْ وَأَدْبَرْتُمْ عَنِ الطَّاعَةِ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ أَيْ لَمْ أَطْلُبْ مِنْكُمْ عَلَى نُصْحِي إِيَّاكُمْ شَيْئًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ وَأَنَا مُمْتَثِلٌ مَا أُمِرْتُ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِسْلَامُ هُوَ دين الأنبياء جميعا مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ شَرَائِعُهُمْ وَتَعَدَّدَتْ مَنَاهِلُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: ٤٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَبِيلًا وَسُنَّةً فَهَذَا نُوحٌ يَقُولُ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [النَّمْلِ: ٩١] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَةِ: ١٣١- ١٣٢] .

وَقَالَ يُوسُفُ: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يُوسُفَ: ١٠١] وَقَالَ مُوسَى: يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يُونُسَ: ٨٤] وَقَالَ السَّحَرَةُ:

رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف: ١٢٦] وقالت بلقيس: بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

[النمل: ٤٤] . وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [الْمَائِدَةِ: ٤٤] وَقَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ [المائدة: ١١١] وقال خاتم الرسل وسيد البشر صلى الله عليه وسلم: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الْأَنْعَامِ: ١٦٢- ١٦٣] أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْهُ: «نَحْنُ معشر الأنبياء أولاد علات وديننا وَاحِدٌ» أَيْ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ شَرَائِعُنَا وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ وَهُمُ الْإِخْوَةُ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى وَالْأَبُّ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ أَيْ عَلَى دِينِهِ فِي الْفُلْكِ وَهِيَ السَّفِينَةُ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ أَيْ فِي الْأَرْضِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أَيْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ أَنْجَيْنَا المؤمنين وأهلكنا المكذبين.

[[سورة يونس (١٠) : آية ٧٤]]

ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)

يَقُولُ تَعَالَى ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ أَيْ بِالْحُجَجِ وَالْأَدِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>