للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قُدُومِ رُسُلِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ مَا أَعْلَمُوا إِبْرَاهِيمَ بِهَلَاكِهِمْ وَفَارَقُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِإِهْلَاكِ اللَّهِ قَوْمَ لُوطٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقُوا مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَوْا لُوطًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ على ما قيل في أرض له وقيل فِي مَنْزِلِهِ وَوَرَدُوا عَلَيْهِ وَهُمْ فِي أَجْمَلِ صُورَةٍ تَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ شُبَّانٍ حِسَانِ الْوُجُوهٍ ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة فَسَاءَهُ شَأْنُهُمْ وَضَاقَتْ نَفْسُهُ بِسَبَبِهِمْ وَخَشِيَ إِنْ لم يضيفهم أَنْ يُضِيفَهُمْ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ فَيَنَالُهُمْ بِسُوءٍ وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وغير واحد: شَدِيدٌ بَلَاؤُهُ «١» وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَيُدَافِعُ عَنْهُمْ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَنَّهُمْ أتوه وهو في أرض له فَتَضَيَّفُوهُ فَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ فَانْطَلَقَ أَمَامَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ كَالْمُعَرِّضِ لَهُمْ بِأَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلَ بَلَدٍ أَخْبَثَ مِنْ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَرَّرَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ قَتَادَةُ وقد كانوا أمروا أن لا يُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ «٢» .

وَقَالَ السُّدِّيُّ خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ فَبَلَغُوا نَهْرَ سَدُومَ نِصْفَ النَّهَارِ ولقوا بنت لوط تستقي فقالوا يا جارية هل من منزل؟ فقالت مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ وَفَرَقَتْ «٣» عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهَا فَأَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَتْ يَا أَبَتَاهُ أَدْرَكْ فِتْيَانًا عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَا رَأَيْتُ وُجُوهَ قَوْمٍ أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضِيفَ رَجُلًا فَقَالُوا خَلِّ عنا فلنضيف الرِّجَالَ فَجَاءَ بِهِمْ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِهِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا فجاؤوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ «٤» .

وَقَوْلُهُ: يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أَيْ يُسْرِعُونَ ويهرولون من فرحهم بذلك وَقَوْلُهُ: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَيْ لم يزل هذا من سجيتهم حَتَّى أُخِذُوا وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ وَقَوْلُهُ: قالَ يَا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ يُرْشِدُهُمْ إِلَى نِسَائِهِمْ فَإِنَّ النَّبِيَّ لِلْأُمَّةِ بمنزلة الوالد فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ [الشُّعَرَاءِ: ١٦٥- ١٦٦] وَقَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ أَيْ أَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ ضِيَافَةِ الرِّجَالِ قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الْحِجْرِ: ٧١- ٧٢] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ لَمْ يَكُنَّ بَنَاتِهِ وَلَكِنْ كُنَّ مِنْ أُمَّتِهِ وَكُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ «٥» وَكَذَا روي عن قتادة وغير واحد.


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٨١.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ٨٠.
(٣) فرقت عليهم: أي خافت عليهم.
(٤) تفسير الطبري ٧/ ٨٠.
(٥) تفسير الطبري ٧/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>