للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسيرها، فجمع الكهنة والحزاة «١» وكبار دولته وأمراءه فقص عَلَيْهِمْ مَا رَأَى وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَلَمْ يعرفوا ذلك، واعتذروا إليه بأنها أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي أخلاط أحلام اقتضته رُؤْيَاكَ هَذِهِ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ أي لو كَانَتْ رُؤْيَا صَحِيحَةً مِنْ أَخْلَاطٍ لَمَا كَانَ لَنَا مَعْرِفَةً بِتَأْوِيلِهَا، وَهُوَ تَعْبِيرُهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ تذكر الَّذِي نَجَا مِنْ ذَيْنِكَ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا فِي السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ أَنْسَاهُ مَا وَصَّاهُ بِهِ يُوسُفُ مِنْ ذِكْرِ أَمْرِهِ لِلْمَلِكِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَذَكَّرَ بَعْدَ أُمَّةٍ، أَيْ مُدَّةٍ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَمِةٍ أَيْ بعد نسيان، فقال لهم، أي لِلْمَلِكِ وَالَّذِينَ جَمَعَهُمْ لِذَلِكَ.

أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أَيْ بِتَأْوِيلِ هَذَا الْمَنَامِ، فَأَرْسِلُونِ أَيْ فَابْعَثُونِ إِلَى يُوسُفَ الصِّدِّيقِ إِلَى السِّجْنِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ فبعثوه فجاءه، فَقَالَ: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا وَذَكَرَ الْمَنَامَ الَّذِي رَآهُ الْمَلِكُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَعْبِيرَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ للفتى فِي نِسْيَانِهِ مَا وَصَّاهُ بِهِ، وَمِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ لِلْخُرُوجِ قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أَيْ يَأْتِيكُمُ الْخِصْبُ وَالْمَطَرُ سَبْعَ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ فَفَسَّرَ الْبَقَرَ بِالسِّنِينَ لِأَنَّهَا تُثِيرُ الْأَرْضَ الَّتِي تُسْتَغَلُّ مِنْهَا الثَّمَرَاتُ وَالزُّرُوعُ، وَهُنَّ السُّنْبُلَاتُ الْخُضْرُ.

ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يعتدونه فِي تِلْكَ السِّنِينَ، فَقَالَ فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ أَيْ مَهْمَا اسْتَغْلَلْتُمْ فِي هَذِهِ السَّبْعِ السِّنِينَ الْخِصْبَ، فادخروه فِي سُنْبُلِهِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهُ وَأَبْعَدَ عَنْ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ إِلَّا الْمِقْدَارَ الَّذِي تَأْكُلُونَهُ، وَلْيَكُنْ قَلِيلًا قَلِيلًا، لَا تُسْرِفُوا فِيهِ لِتَنْتَفِعُوا فِي السَّبْعِ الشِّدَادِ، وَهُنَّ السَّبْعُ السِّنِينَ المُحْلُ التي تعقب هذه السبع المتواليات، وهن البقرات العجاف اللاتي تأكل السِّمَانَ، لِأَنَّ سِنِيَّ الْجَدْبِ يُؤْكَلُ فِيهَا مَا جَمَعُوهُ فِي سِنِيِّ الْخِصْبِ، وَهُنَّ السُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُنَّ لَا يُنْبِتْنَ شَيْئًا، وَمَا بَذَرُوهُ فَلَا يَرْجِعُونَ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ، وَلِهَذَا قَالَ: يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ.

ثم بشرهم بعد الجدب الْعَامِ الْمُتَوَالِي بِأَنَّهُ يَعْقُبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ، أَيْ يَأْتِيهِمُ الْغَيْثُ وَهُوَ الْمَطَرُ وَتُغَلُّ الْبِلَادُ، وَيَعْصِرُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْصِرُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ مِنْ زَيْتٍ وَنَحْوِهُ، وَسُكَّرٍ وَنَحْوِهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ فِيهِ حَلْبُ اللَّبَنِ أَيْضًا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ يحلبون «٢» .


(١) حزا حزوا وتحزّى تحزوّا: زجر وتكهّن، والحزاة، جمع حاز هو المتكهن، يحرز الأشياء ويقدرها بظنه.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>