للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الْأَنْعَامِ:

١١١] ، وَلِهَذَا قَالَ: قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ أي ويهدي إليه مَنْ أَنَابَ إِلَى اللَّهِ وَرَجَعَ إِلَيْهِ وَاسْتَعَانَ بِهِ وَتَضَرَّعَ لَدَيْهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَيْ تَطِيبُ وَتَرْكَنُ إِلَى جَانِبِ اللَّهِ، وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَصِيرًا، وَلِهَذَا قَالَ: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أي هو حقيق بذلك.

وقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نِعْمَ مَا لَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غِبْطَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: خَيْرٌ لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، يَقُولُ الرَّجُلُ: طُوبَى لَكَ، أَيْ أَصَبْتَ خَيْرًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: طُوبَى لَهُمْ حُسْنَى لَهُمْ، وَحُسْنُ مَآبٍ أَيْ مَرْجِعٍ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ طُوبى لَهُمْ قَالَ: هِيَ أَرْضُ الْجَنَّةِ بِالْحَبَشِيَّةِ «١» ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْجُوحٍ: طُوبَى اسْمُ الْجَنَّةِ بِالْهِنْدِيَّةِ «٢» ، وَكَذَا رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: طُوبَى لَهُمْ هي الْجَنَّةُ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَفَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ وَذَلِكَ حِينَ أَعْجَبَتْهُ «٣» .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ:

طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، كُلُّ شَجَرِ الْجَنَّةِ مِنْهَا، أَغْصَانُهَا مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُغِيثِ بن سليمان وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ فِي كُلِّ دَارٍ مِنْهَا غُصْنٌ مِنْهَا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّحْمَنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَرَسَهَا بِيَدِهِ مِنْ حَبَّةِ لُؤْلُؤَةٍ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَمْتَدَّ، فَامْتَدَّتْ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَخَرَجَتْ مِنْ أَصْلِهَا يَنَابِيعُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ مِنْ عَسَلٍ وَخَمْرٍ وَمَاءٍ وَلَبَنٍ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ:

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، مَرْفُوعًا «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا» «٥» .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٦» : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ أَبُو السَّمْحِ أَنَّ أَبَا الْهَيْثَمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أن رجلا قال:


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٨٢.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٨٢. وفيه: سعيد بن مشجوج، بدل: سعيد بن مسجوح. [.....]
(٣) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٨٢.
(٤) تفسير الطبري ٧/ ٣٨٢.
(٥) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٨٤.
(٦) المسند ٣/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>