للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النَّازِعَاتِ: ٣٧] وَقَالَ وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرَّحْمَنِ: ٤٦] .

وَقَوْلُهُ: وَاسْتَفْتَحُوا أَيِ اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ رَبَّهَا عَلَى قَوْمِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: اسْتَفْتَحَتِ الْأُمَمُ عَلَى أَنْفُسِهَا كَمَا قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادًا وَهَذَا مُرَادًا، كَمَا أَنَّهُمُ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم وَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [الأنفال: ١٩] الآية، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أَيْ متجبر في نفسه عنيد معاند للحق، كقوله تَعَالَى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ [ق: ٢٤- ٢٦] وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّهُ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُنَادِي الْخَلَائِقَ، فَتَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِكُلِّ جبار عنيد» «١» الحديث أي خَابَ وَخَسِرَ حِينَ اجْتَهَدَ الْأَنْبِيَاءَ فِي الِابْتِهَالِ إِلَى رَبِّهَا الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وراء هنا بمعنى أمام، كقوله تَعَالَى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ، أَيْ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَّارِ الْعَنِيدِ جَهَنَّمُ، أَيْ هِيَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ يَسْكُنُهَا مُخَلَّدًا يَوْمَ الْمَعَادِ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أَيْ فِي النَّارِ ليس له شراب إلا من حميم وغساق، فهذا حار في غاية الحرارة، وهذا بارد فِي غَايَةِ الْبَرْدِ وَالنَّتَنِ، كَمَا قَالَ: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص: ٥٧- ٥٨] وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الصَّدِيدُ مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يُسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الصَّدِيدُ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْكَافِرِ قَدْ خَالَطَ الْقَيْحَ والدم. وفي حَدِيثِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ» «٢» . وَفِي رِوَايَةٍ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» «٣» .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عبد الله، أخبرنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قَالَ: «يقرب إليه فيكرهه، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ» يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ وَيَقُولُ: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ الآية، وهكذا رواه ابن جرير «٥» من


(١) أخرجه الترمذي في صفة جهنم باب ١، وأحمد في المسند ٣/ ٤٠.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٦/ ٤٦٠.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٧١. [.....]
(٤) المسند ٥/ ٢٦٥.
(٥) تفسير الطبري ٧/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>