للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْرِ، فَلَوْ كَانَ فِي تَعْيِينِهِ لَنَا فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَيْنَا فِي أَمْرِ الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا لبينه الله تعالى لنا، ولكنه أَبْهَمَهُ وَلَمْ يَجِئْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ عَنْ مَعْصُومٍ بَيَانَهُ، فَنَحْنُ نُبْهِمُهُ كَمَا أَبْهَمَهُ اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ أَصْحَابَ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ طَلَبُوهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى وَجَدُوهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي بَقْرٍ لَهُ وَكَانَتْ بَقَرَةً تُعْجِبُهُ، قَالَ: فَجَعَلُوا يُعْطُونَهُ بِهَا فَيَأْبَى حَتَّى أَعْطَوْهُ مَلْءَ مَسْكِهَا «١» دَنَانِيرَ، فَذَبَحُوهَا، فَضَرَبُوهُ- يَعْنِي الْقَتِيلَ- بِعُضْوٍ مِنْهَا، فَقَامَ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَقَالُوا لَهُ مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: إِنَّهُ ضُرِبَ بِبَعْضِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ عن ابن عباس أنه ضرب بِالْعَظْمِ الذِي يَلِي الْغُضْرُوفَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ: ضَرَبُوا الْقَتِيلَ بِبَعْضِ لَحْمِهَا، قال معمر: قال قتادة: ضربوه بِلَحْمِ فَخِذِهَا فَعَاشَ، فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، وَقَالَ وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها

فَضُرِبَ بِفَخِذِهَا، فَقَامَ فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وعكرمة نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَضَرَبُوهُ بِالْبَضْعَةِ التِي بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، فَعَاشَ، فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: قَتَلَنِي ابْنُ أَخِي، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يَأْخُذُوا عَظْمًا مِنْ عِظَامِهَا فَيَضْرِبُوا بِهِ الْقَتِيلَ، فَفَعَلُوا فَرَجَعَ إِلَيْهِ رُوحُهُ، فَسَمَّى لَهُمْ قَاتِلَهُ، ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: فَضَرَبُوهُ بِبَعْضِ آرَابِهَا «٢» وَقِيلَ: بِلِسَانِهَا وَقِيلَ بِعَجَبِ «٣» ذنبها.

وقوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى

أَيْ فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ، وَنَبَّهَ تَعَالَى عَلَى قُدْرَتِهِ وَإِحْيَائِهِ الْمَوْتَى بِمَا شَاهَدُوهُ مِنْ أمر القتيل، جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حُجَّةً لَهُمْ عَلَى الْمَعَادِ، وَفَاصِلًا مَا كَانَ بينهم من الخصومة والعناد، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مما خلقه من إِحْيَاءِ الْمَوْتَى فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ، وَقِصَّةُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ، وَقِصَّةُ الذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، وَقِصَّةُ إبراهيم عليه السلام وَالطُّيُورِ الْأَرْبَعَةِ. وَنَبَّهَ تَعَالَى بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا رَمِيمًا، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: «أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحِلٍ، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ خَضِرًا» ؟ قَالَ بَلَى. قَالَ: «كَذَلِكَ النُّشُورُ» أَوْ قَالَ: «كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى» وَشَاهِدُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى:


(١) أي ملء جلدها.
(٢) الآراب: جمع إرب، وهو العضو. أي ضربوه ببعض أعضائها.
(٣) عجب الذنب: الجزيء في أصل الذنب عند رأس العصعص.

<<  <  ج: ص:  >  >>