للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا «فَبِي يَسْمَعُ، وَبِي يُبْصِرُ، وَبِي يَبْطِشُ، وَبِي يَمْشِي» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ كقوله تعالى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الْمُلْكِ: ٢٣- ٢٤] .

ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى النَّظَرِ إِلَى الطَّيْرِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض، كيف جعله يطير بجناحين بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، مَا يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جَعَلَ فِيهَا قُوًى تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَسَخَّرَ الْهَوَاءَ يحملها ويسير الطير كذلك، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُلْكِ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ [الْمُلْكِ: ١٩] وَقَالَ هَاهُنَا: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٨٠ الى ٨٣]

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣)

يَذْكُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يأوون إليها، ويستترون بها، وينتفعون بها بسائر وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَيْضًا مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً أَيْ مِنَ الْأَدَمِ، يَسْتَخِفُّونَ حَمْلَهَا فِي أَسْفَارِهِمْ لِيَضْرِبُوهَا لَهُمْ فِي إِقَامَتِهِمْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَلِهَذَا قَالَ: تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها أَيِ الْغَنَمِ، وَأَوْبارِها أَيِ الْإِبِلِ، وَأَشْعارِها أَيِ الْمَعْزِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَنْعَامِ أَثاثاً أَيْ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ أَثَاثًا وَهُوَ الْمَالُ، وَقِيلَ: الْمَتَاعُ، وَقِيلَ: الثِّيَابُ، وَالصَّحِيحُ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَإِنَّهُ يُتَّخَذُ مِنَ الْأَثَاثِ الْبُسُطُ وَالثِّيَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُتَّخَذُ مَالًا وَتِجَارَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَثَاثُ الْمَتَاعُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَقَوْلُهُ: إِلى حِينٍ أَيْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى وَوَقْتٍ مَعْلُومٍ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الشَّجَرَ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً أَيْ حُصُونًا وَمَعَاقِلَ، كَمَا جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَهِيَ الثِّيَابُ مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَالدُّرُوعِ مِنَ الْحَدِيدِ الْمُصَفَّحِ وَالزَّرَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أَيْ هَكَذَا يَجْعَلُ لَكُمْ مَا تَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَمْرِكُمْ وَمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عَوْنًا لَكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ هَكَذَا فَسَّرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>