للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَيْ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ وَلَا يُظَاهِرُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٥٤] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَاصُلِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالحمى والسهر» .

وقوله تعالى: ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ أَيْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بِمَعْرِفَةِ هَذَا الْمِيثَاقِ وَصِحَّتِهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بِهِ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ الآية، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ الآية، قال: أنبأهم الله بذلك مِنْ فِعْلِهِمْ، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ، فكانوا فريقين: طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج والنضير، وقريظة وهم حُلَفَاءُ الْأَوْسِ، فَكَانُوا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ، وَخَرَجَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ، يُظَاهِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ حَتَّى تسافكوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمُ التَّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَلَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً وَلَا كِتَابًا وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، افْتَدَوْا أَسْرَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَأَخْذًا بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاعَ مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي الْأَوْسِ، ويفتدي النضير وقريظة ما كان في أيد الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ، وَيَطْلُبُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ، وقتلوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَيْثُ أنبأهم بذلك أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:

٨٥] أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم وفي حكم التوراة أن لا يقتل وَلَا يُخْرَجَ مِنْ دَارِهِ وَلَا يُظَاهَرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مَنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدُّنْيَا؟ فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِيمَا بَلَغَنِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ.

وَقَالَ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ فَكَانُوا يقتتلون في حرب بينهم، فتقاتل بنو قريظة مع حلفائهم النضير وحلفائهم، وَكَانَتِ النَّضِيرُ تَقَاتُلُ قُرَيْظَةَ وَحُلَفَاءَهَا وَيَغْلِبُونَهُمْ، فَيُخَرِّبُونَ دِيَارَهُمْ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، فَإِذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الفريقين كلاهما، جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ، فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ بِذَلِكَ يقولون: كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ، قَالُوا: إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نفديهم وحرم علينا قتالهم، قالوا فلم تقتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أَنْ تُسْتَذَلَّ حُلَفَاؤُنَا، فَذَلِكَ حِينَ عَيَّرَهُمُ اللَّهُ تبارك وتعالى فقال تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ الآية.

وقال أسباط عن السدي عن الشعبي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>