للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوبون، ويصيبون الذنب ثم يتوبون «١» ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ بنحوه، وكذا رواه الليث وابن جرير عن ابن المسيب به.

وقال عطاء بن يسار بن جبير ومجاهد: هُمُ الرَّاجِعُونَ إِلَى الْخَيْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ عبيد بن عمير في الآية: هُوَ الَّذِي إِذَا ذَكَرَ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلَاءِ فيستغفر الله منها، ووافقه مجاهد في ذلك.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً قَالَ: كُنَّا نُعِدُّ الْأَوَّابَ الْحَفِيظَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَصَبْتُ فِي مَجْلِسِي هَذَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ التائب من الذنب، الراجع من الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ مِمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ الْأَوَّابَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَوْبِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ، يُقَالُ: آبَ فُلَانٌ إِذَا رَجَعَ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الْغَاشِيَةِ: ٢٥] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ قَالَ:

«آئبون تائبون، عابدون لربنا حامدون» «٢» .

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى بِرَّ الْوَالِدَيْنِ، عَطَفَ بِذِكْرِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْقَرَابَةِ وَصِلَةِ الأرحام، وفي الْحَدِيثِ «أُمَّكَ وَأَبَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» وَفِي رِوَايَةٍ «ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» «٣» ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ أحب أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقُهُ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» «٤» وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يعقوب، حدثنا أبو يحيى التميمي، حَدَّثَنَا فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سعيد قال: لما نزلت وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَأَعْطَاهَا فَدَكَ، ثُمَّ قَالَ:

لَا نَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ عَنْ فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التميمي وَحُمَيْدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُشْكَلٌ لَوْ صَحَّ إِسْنَادُهُ، لَأَنَّ الْآيَةَ مكية، وفدك إِنَّمَا فُتِحَتْ مَعَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذا حديث منكر، والأشبه أنه من وضع الرافضة، والله أعلم، وقد تقدم الكلام على المساكين وأبناء السَّبِيلِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعادته هاهنا.

وقوله وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً لَمَّا أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ، نَهَى عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ وَسَطًا كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: ٦٧] الآية، ثم قال منفرا


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٦٥.
(٢) أخرجه البخاري في العمرة باب ١٢، ومسلم في الحج حديث ٤٢٥، ٤٢٨، ٤٢٩، وأبو داود في الجهاد باب ٧٢، وأحمد في المسند ١/ ٥٦.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٦٤، ٦٥.
(٤) أخرجه البخاري في البيوع باب ١٣، ومسلم في البر حديث ٢٠، ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>