للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويهتدون به. وقوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ أَيْ إِذَا وَحَّدْتَ اللَّهَ فِي تِلَاوَتِكَ، وَقُلْتَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَّوْا أَيْ أَدْبَرُوا رَاجِعِينَ عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ونفور جمع نافر، وكقعود جَمْعُ قَاعِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِنْ غَيْرِ الْفِعْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر:

٤٥] الآية، قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ الآية، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا الله، أنكر ذلك المشركون، كبرت عَلَيْهِمْ وَضَاقَهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أن يمضيها ويعليها وينصرها وَيُظْهِرَهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، إِنَّهَا كَلِمَةٌ مَنْ خَاصَمَ بِهَا فَلَجَ، وَمَنْ قَاتَلَ بِهَا نُصِرَ، إنما يعرفها أهل هذه الجزيزة مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقْطَعُهَا الرَّاكِبُ فِي لَيَالٍ قَلَائِلَ، وَيَسِيرُ الدَّهْرَ فِي فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا «١» .

[قَوْلٌ آخَرُ في الآية]

روى ابن جرير «٢» : حدثني الحسين بن محمد الذراع، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً هم الشياطين، وهذا غَرِيبٌ جِدًّا فِي تَفْسِيرِهَا، وَإِلَّا فَالشَّيَاطِينُ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ أَوْ نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَوْ ذُكِرَ الله انصرفوا.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٧ الى ٤٨]

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)

يُخْبِرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يتناجى به رؤساء قريش حين جاءوا يستمعون قراءته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا مِنْ قَوْمِهِمْ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ رَجُلٌ مَسْحُورٌ مِنَ السِّحْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ مِنْ السَّحْرِ وَهُوَ الرِّئَةُ، أَيْ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِنِ اتَّبَعْتُمْ مُحَمَّدًا إلا بشرا يأكل، كما قال الشاعر: [الطويل]

فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا ... عَصَافِيرُ مِنْ هذا الأنام المسحّر «٣»

وقال الراجز: [الوافر]


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٨٦.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ٨٧.
(٣) البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٥٦، ولسان العرب (سحر) ، وتهذيب اللغة ٤/ ٢٩٢، وديوان الأدب ٢/ ٣٥٣، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥١١، ومقاييس اللغة ٣/ ١٣٨، ومجمل اللغة ٣/ ١٢٣، وكتاب العين ٣/ ١٣٥، والمخصص ١/ ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>