للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ، وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عِيسَى وَالْعُزَيْرُ وَالْمَلَائِكَةُ.

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِقَوْلِهِ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ وَهَذَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَاضِي، فلا يدخل فيه عيسى والعزير والملائكة، وقال وَالْوَسِيلَةُ هِيَ الْقُرْبَةُ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ، وَلِهَذَا قال:

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. وقوله تعالى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ لَا تَتَمُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَبِالْخَوْفِ يَنْكَفُّ عَنِ الْمَنَاهِي، وبالرجاء يكثر من الطاعات. وقوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ وَيُخَافَ مِنْ وُقُوعِهِ وَحُصُولِهِ، عياذا بالله منه.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٨]]

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)

هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ قَدْ حَتَمَ وَقَضَى بما قد كتب عِنْدَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: أَنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا سَيُهْلِكُهَا بِأَنْ يُبِيدَ أَهْلَهَا جَمِيعَهُمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِمَّا بِقَتْلٍ أَوِ ابْتِلَاءٍ بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذنوبهم وخطاياهم، كما قال تعالى عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [هود: ١٠١] وقال تعالى: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً [الطلاق: ٩] وقال وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ [الطلاق:

٨] الآيات.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٩]]

وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)

قَالَ سُنَيْدٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءُ فَمِنْهُمْ مَنْ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ سَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ وَنُصَدِّقَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الَّذِي قَالُوا فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِقَوْمِكَ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ. قَالَ: «يَا رَبِّ اسْتَأْنِ بِهِمْ» «١» وَكَذَا قال قتادة وابن جريج وغيرهما.

وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أن يأتيهم


(١) تفسير الطبري ٨/ ٩٨.
(٢) المسند ١/ ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>