للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الْآيَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها قَالَ: كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَسَبُّوا مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ المشركون فيسبون الْقُرْآنَ وَلا تُخافِتْ بِها عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلَا تُسْمِعُهُمُ الْقُرْآنَ حَتَّى يَأْخُذُوهُ عَنْكَ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «٢» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ بِهِ، وَكَذَا رواه الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ:

فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَقَطَ ذَلِكَ يَفْعَلُ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ.

وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَهَرَ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَكَانَ الرَّجُلُ إذا أراد أن يسمع مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا يَتْلُو وَهُوَ يُصَلِّي اسْتَرَقَ السَّمْعَ دونهم فرقا منهم، فإذا رَأَى أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ يَسْتَمِعُ ذَهَبَ خشية أذاهم فلم يسمع، فَإِنْ خَفَضَ صَوْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسمع الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فَيَتَفَرَّقُوا عَنْكَ وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يَرْعَوِي إِلَى بَعْضِ مَا يَسْمَعُ فَيَنْتَفِعَ بِهِ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «٣» وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي القراءة في الصلاة، وقال شعبة عن الأشعث بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يُخَافِتْ بِهَا مَنْ أَسْمَعَ أُذُنَيْهِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ «٥» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِذَا صَلَّى فَقَرَأَ خَفَضَ صَوْتَهُ وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَقِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أُنَاجِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي، فَقِيلَ: أَحْسَنْتَ. وَقِيلَ لِعُمَرَ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، قِيلَ: أَحْسَنْتَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ: ارْفَعْ شَيْئًا، وَقِيلَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ شَيْئًا، وَقَالَ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس: نزلت في الدعاء «٦» ،


(١) المسند ١/ ٢٣، ٢١٥.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢، ٣٤، ٤٤، ٥٢، ومسلم في الصلاة حديث ١٤٥، ١٤٦.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٦٨، ١٦٩.
(٤) تفسير الطبري ٨/ ١٦٨.
(٥) في الطبري: عن سلمة عن علقمة.
(٦) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٦٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>