للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور: ٣٩] وقال تعالى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ أَيْ نُخْبِرُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا ثُمَّ فَسَّرَهُمْ، فَقَالَ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أَيْ عَمِلُوا أَعْمَالًا بَاطِلَةً عَلَى غَيْرِ شَرِيعَةٍ مَشْرُوعَةٍ مَرْضِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أَيْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَأَنَّهُمْ مَقْبُولُونَ مَحْبُوبُونَ.

وَقَوْلُهُ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ أَيْ جَحَدُوا آيَاتِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَبَرَاهِينَهُ الَّتِي أَقَامَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ، وَكَذَّبُوا بِالدَّارِ الْآخِرَةِ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً أَيْ لَا نُثْقِلُ مَوَازِينَهُمْ لِأَنَّهَا خَالِيَةٌ عَنِ الْخَيْرِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ- وَقَالَ- اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً» . وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ مُعَلَّقًا، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ «٢» عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ الْعَظِيمِ، فَيُوزَنُ بِحَبَّةٍ فَلَا يَزِنُهَا» قَالَ وَقَرَأَ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ سَوَاءً.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، حدثنا هشيم بْنُ حَسَّانَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْطُرُ فِي حُلَّةٍ لَهُ، فَلَمَّا قَامَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ هَذَا مِمَّنْ لَا يُقِيمُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا» ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عَنْبَسَةَ، وَعَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَمْ يُتَابَعْ عليه.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شِمْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ عَظِيمٍ طَوِيلٍ، فَلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً. وَقَوْلُهُ: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا أَيْ إِنَّمَا جازيناهم بهذا الجزاء بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَاتِّخَاذِهِمْ آيَاتِ اللَّهِ وَرُسُلَهُ هُزُوًا،


(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٨، باب ٦.
(٢) كتاب صفات المنافقين، حديث ١٨.
(٣) تفسير الطبري ٨/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>