للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ لَنْ نَخْتَارَكَ عَلَى مَا حَصَلَ لَنَا مِنَ الْهُدَى وَالْيَقِينِ، وَالَّذِي فَطَرَنا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْبَيِّنَاتِ، يَعْنُونَ لَا نَخْتَارُكَ عَلَى فَاطِرِنَا وَخَالِقِنَا الَّذِي أَنْشَأْنَا مِنَ الْعَدَمِ الْمُبْتَدِئِ خَلْقَنَا مِنَ الطِّينِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ لَا أَنْتَ.

فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ أَيْ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ، وَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ يَدُكَ، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أَيْ إِنَّمَا لَكَ تَسَلُّطٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهِيَ دَارُ الزَّوَالِ، وَنَحْنُ قَدْ رَغِبْنَا فِي دَارِ الْقَرَارِ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا أَيْ مَا كَانَ مِنَّا مِنَ الْآثَامِ خُصُوصًا مَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ من الحسر لتعارض بِهِ آيَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُعْجِزَةَ نَبِيِّهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ قَالَ: أَخَذَ فِرْعَوْنُ أَرْبَعِينَ غُلَامًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَمَرَ أن يعلموا السحر بالفرماء، وَقَالَ: عَلِّمُوهُمْ تَعْلِيمًا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ فِي الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهُمْ مِنَ الَّذِينَ آمنوا بموسى وهم من الذين قالوا: آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى أَيْ خَيْرٌ لَنَا مِنْكَ وَأَبْقَى أَيْ أَدْوَمُ ثَوَابًا مِمَّا كُنْتَ وَعَدْتَنَا وَمَنَّيْتَنَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَاللَّهُ خَيْرٌ أَيْ لَنَا مِنْكَ إِنْ أُطِيعَ وَأَبْقى أَيْ مِنْكَ عَذَابًا إِنْ عُصِيَ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَيْضًا.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ- لَعَنَهُ اللَّهُ- صمم على ذلك، وفعله بهم رحمة لهم من اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السلف: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]

إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦)

الظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا وَعَظَ بِهِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ، يُحَذِّرُونَهُ مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ الدَّائِمِ السَّرْمَدِيِّ، وَيُرَغِّبُونَهُ فِي ثَوَابِهِ الْأَبَدِيِّ الْمُخَلَّدِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً أَيْ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مُجْرِمٌ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى كَقَوْلِهِ: لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فَاطِرٍ: ٣٦] وَقَالَ:

وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [الْأَعْلَى: ١١- ١٣] وَقَالَ تَعَالَى: وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ [الزُّخْرُفِ: ٧٧] .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ «١» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا ولا يحيون، ولكن أناس تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ فَتُمِيتُهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا أُذِنَ فِي


(١) المسند ٣/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>