للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص «١» يذكر تعالى فيها خَلْقَ آدَمَ وَأَمْرَهُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَيُبَيِّنُ عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لِبَنِي آدَمَ وَلِأَبِيهِمْ قَدِيمًا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَيِ امْتَنَعَ وَاسْتَكْبَرَ فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ يَعْنِي حَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى أي إياك أن تسعى فِي إِخْرَاجِكَ مِنْهَا فَتَتْعَبَ وَتُعَنَّى وَتَشْقَى فِي طَلَبِ رِزْقِكَ، فَإِنَّكَ هَاهُنَا فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ هنيء بلا كُلْفَةَ وَلَا مَشَقَّةَ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى إِنَّمَا قَرَنَ بَيْنَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، لِأَنَّ الْجُوعَ ذُلُّ الْبَاطِنِ، وَالْعُرْيَ ذُلُّ الظاهر، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى وَهَذَانَ أَيْضًا مُتَقَابِلَانِ، فَالظَّمَأُ حَرُّ الْبَاطِنِ وَهُوَ الْعَطَشُ، وَالضُّحَى حَرُّ الظَّاهِرِ.

وَقَوْلُهُ: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى قد تقدم أنه دلاهما بغرور وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الْأَعْرَافِ: ٢١] وَقَدْ تقدم أن الله تعالى عهد إلى آدم وزوجه أَنَّ يَأْكُلَا مِنْ كُلِّ الثِّمَارِ وَلَا يَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الْجَنَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمَا إِبْلِيسُ حَتَّى أَكَلَا مِنْهَا وَكَانَتْ شَجَرَةَ الْخُلْدِ، يَعْنِي الَّتِي مَنْ أَكَلَ مِنْهَا خُلِّدَ وَدَامَ مُكْثُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ شَجَرَةِ الْخُلْدِ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الضَّحَّاكِ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا، وَهِيَ شجرة الخلد» ورواه الإمام أحمد «٢» .

وقوله: فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ رَجُلًا طِوَالًا كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ سَقَطَ عَنْهُ لِبَاسُهُ، فَأَوَّلُ مَا بَدَا مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ جَعَلَ يَشْتَدُّ فِي الْجَنَّةِ، فَأَخَذَتْ شَعْرَهُ شَجَرَةٌ فَنَازَعَهَا، فَنَادَاهُ الرَّحْمَنُ: يَا آدَمُ مِنِّي تَفِرُّ، فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَ الرَّحْمَنِ قَالَ: يَا رَبِّ لَا، وَلَكِنِ اسْتِحْيَاءً، أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ وَرَجَعْتُ أَعَائِدِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ:

نَعَمْ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ [البقرة: ٣٧] وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ الْحَسَنِ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: يُرَقِّعَانِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قَالَ: يَنْزِعَانِ وَرَقَ التِّينِ فَيَجْعَلَانِهِ عَلَى سَوْآتِهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ عَنْ يحيى بن أبي كثير،


(١) الآيات ٧١- ٨٥ من سورة ص.
(٢) المسند ٢/ ٤٥٥، ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>