فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ أَيْ مَا زَالَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ، وَهِيَ الِاعْتِرَافُ بِالظُّلْمِ هِجِّيرَاهُمْ حَتَّى حَصَدْنَاهُمْ حَصْدًا، وَخَمَدَتْ حركاتهم وأصواتهم خمودا.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٦ الى ٢٠]
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)
يخبر تعالى أنه خلق السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النَّجْمِ: ٣١] ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: ٢٧] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا يَعْنِي مِنْ عِنْدِنَا، يَقُولُ: وَمَا خَلَقْنَا جَنَّةً وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً اللَّهْوُ الْمَرْأَةُ بِلِسَانِ أَهْلِ الْيَمَنِ «١» . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النخعي لَاتَّخَذْناهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: والمراد بِاللَّهْوِ هَاهُنَا الْوَلَدُ، وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مُتَلَازِمَانِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الزُّمَرِ: ٤] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا ولا سِيَّمَا عَمَّا يَقُولُونَ مِنَ الْإِفْكِ وَالْبَاطِلِ مِنَ اتخاذ عيسى أو العزيز أَوْ الْمَلَائِكَةِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كبيرا.
وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ: أَيْ مَا كُنَّا فَاعِلِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَنْ فَهُوَ إِنْكَارٌ. وَقَوْلُهُ: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ أَيْ نُبَيِّنُ الْحَقَّ فَيَدْحَضُ الْبَاطِلَ، وَلِهَذَا قَالَ: فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ أَيْ ذَاهِبٌ مُضْمَحِلٌّ وَلَكُمُ الْوَيْلُ أَيْ أَيْهَا الْقَائِلُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ مِمَّا تَصِفُونَ أَيْ تَقُولُونَ وَتَفْتَرُونَ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عُبُودِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ وَدَأْبِهِمْ فِي طَاعَتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَقَالَ: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أَيْ لا يستنكفون عنها، كما قال: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
[النِّسَاءِ: ١٧٢] .
وَقَوْلُهُ: وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أَيْ لَا يَتْعَبُونَ وَلَا يَمَلُّونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ
(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4