للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمه الله أن أنشد واستشهد بهذين البيتين: [الطويل]

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ «١»

فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى ... تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ

وَقَوْلُهُ: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أَيْ نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى، فننظر مَنْ يَشْكُرُ وَمَنْ يَكْفُرُ، وَمَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ يَقْنَطُ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

وَنَبْلُوكُمْ يَقُولُ نَبْتَلِيكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ «٢» . وقوله: وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ أي فنجازيكم بأعمالكم.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]

وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَأَبِي جَهْلٍ وَأَشْبَاهِهِ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَيْ يَسْتَهْزِئُونَ بِكَ وَيَنْتَقِصُونَكَ، يَقُولُونَ: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ يَعْنُونُ أَهَذَا الَّذِي يَسُبُّ آلِهَتَكُمْ وَيُسَفِّهُ أَحْلَامَكُمْ، قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ أَيْ وَهُمْ كَافِرُونَ بِاللَّهِ وَمَعَ هَذَا يَسْتَهْزِئُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الْفُرْقَانِ: ٤١- ٤٢] .

وَقَوْلُهُ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الْإِسْرَاءِ: ١١] أَيْ فِي الْأُمُورِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بَعْدَ كَلِّ شَيْءٍ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ الْخَلَائِقَ، فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوحُ عَيْنَيْهِ وَلِسَانَهُ وَرَأْسَهُ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَسْفَلَهُ، قَالَ: يَا رَبِّ اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مؤمن يصلي- وقبض أصابعه يقللها- فسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه» .


(١) البيتان للإمام الشافعي في ملحق ديوانه ص ١٥٩، ١٦٠، والبيت الأول للشافعي في تاج العروس (وحد) ، وللإمام علي في ديوانه ص ٦٧، ولطرفة بن العبد في بهجة المجالس ٢/ ٧٤٦، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في كتاب العين (وحد) ، والبيت الثاني لطرفة بن العبد في بهجة المجالس ٢/ ٧٤٧، وبلا نسبة في لسان العرب (خلف) ، ونوادر القالي ص ٢١٨ وتاج العروس (خلف) .
(٢) انظر تفسير الطبري ٩/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>