للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيْرِهِ وَعِنْدَ انْتِهَائِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. وَقَوْلُهُ:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَيْ إِنَّ فِي هَذَا الصَّنِيعِ وَهُوَ إِنْجَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِهْلَاكُ الْكَافِرِينَ لِآيَاتٍ أَيْ لَحُجَجًا وَدَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ عَلَى صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وأنه تعالى فاعل لما يشاء قادر عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ أَيْ لَمُخْتَبِرِينَ لِلْعِبَادِ بِإِرْسَالِ المرسلين.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣١ الى ٤١]

ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)

هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠)

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَنْشَأَ بَعْدَ قَوْمِ نُوحٍ قَرْنًا آخَرِينَ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمْ عَادٌ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَخْلَفِينَ بَعْدَهُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ ثَمُودُ لِقَوْلُهُ: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ وَأَنَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَأَبَوْا عن اتِّبَاعِهِ لِكَوْنِهِ بَشَرًا مِثْلَهُمْ، وَاسْتَنْكَفُوا عَنِ اتِّبَاعِ رسول بشرى، وكذبوا بِلِقَاءِ اللَّهِ فِي الْقِيَامَةِ وَأَنْكَرُوا الْمَعَادَ الْجُثْمَانِيَّ وَقَالُوا: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ أَيْ بَعِيدٌ بَعِيدٌ ذَلِكَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَيْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالنِّذَارَةِ وَالْإِخْبَارِ بِالْمَعَادِ وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ أَيِ اسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمُ الرَّسُولُ وَاسْتَنْصَرَ رَبَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأَجَابَ دُعَاءَهُ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ أَيْ بِمُخَالَفَتِكَ وَعِنَادِكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ أَيْ وَكَانُوا يَسْتَحِقُّونَ ذلك من الله بكفرهم وَطُغْيَانِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةٌ مَعَ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ الْعَاصِفِ الْقَوِيِّ الْبَارِدَةِ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لَا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ [الْأَحْقَافِ: ٢٥] . وَقَوْلُهُ:

فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً أَيْ صَرْعَى هَلْكَى كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ التَّافِهُ الْهَالِكُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ كَقَوْلِهِ: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ

[الزُّخْرُفِ: ٧٦] أَيْ بِكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَمُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلْيَحْذَرِ السَّامِعُونَ أَنْ يُكَذِّبُوا رَسُولَهُمْ.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]

ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ مَا جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>