للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصديقه مِنْ هُجْرَانِهِ، وَتَرْكُ تَدَبُّرِهِ وَتَفْهُّمِهِ مِنْ هُجْرَانِهِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ زَوَاجِرِهِ مِنْ هُجْرَانِهِ، وَالْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مَنْ شِعْرٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ لَهْوٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ طَرِيقَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، مِنْ هُجْرَانِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الْمَنَّانَ الْقَادِرَ عَلَى مَا يَشَاءُ، أَنْ يُخَلِّصَنَا مِمَّا يُسْخِطُهُ، وَيَسْتَعْمِلَنَا فِيمَا يُرْضِيهِ مِنْ حِفْظِ كِتَابِهِ وَفَهْمِهِ، وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَاهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، إِنَّهُ كَرِيمٌ وَهَّابٌ.

وقوله تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَيْ كَمَا حَصَلَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي قَوْمِكَ مِنَ الَّذِينَ هَجَرُوا الْقُرْآنَ، كَذَلِكَ كَانَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِينَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: ١١٢- ١١٣] الآيتين، ولهذا قال تعالى هَاهُنَا: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً أَيْ لِمَنِ اتَّبَعَ رَسُولَهُ وَآمَنَ بِكِتَابِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ هَادِيهِ وَنَاصِرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ هادِياً وَنَصِيراً لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ لِئَلَّا يَهْتَدِيَ أَحَدٌ بِهِ، وَلِتَغْلِبَ طَرِيقَتُهُمْ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، فَلِهَذَا قَالَ وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ الآية.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كَثْرَةِ اعْتِرَاضِ الْكُفَّارِ وَتَعَنُّتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، حَيْثُ قَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً أَيْ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ جملة واحدة، كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة، كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل مُنَجَّمًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ والحوادث، وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به، كقوله وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [الإسراء: ١٠٦] الآية، وَلِهَذَا قَالَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، قال قتادة: بيناه تَبْيِينًا.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: وَفَسَّرْنَاهُ تَفْسِيرًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ أَيْ بِحُجَّةٍ وَشُبْهَةٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أَيْ وَلَا يَقُولُونَ قَوْلًا يُعَارِضُونَ بِهِ الْحَقَّ، إِلَّا أَجَبْنَاهُمْ بِمَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَبْيَنُ وَأَوْضَحُ وَأَفْصَحُ مِنْ مَقَالَتِهِمْ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ أَيْ بِمَا يَلْتَمِسُونَ بِهِ عَيْبَ القرآن والرسول إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ الآية، أي إلا نزل جبريل من الله تعالى بجوابهم وما هذا إلا اعتناء وكبير شرف للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان يأتيه الوحي من الله عز وجل بالقرآن صباحا ومساء، وليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كَإِنْزَالِ كِتَابٍ مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>