لَكُمْ بَلْ زَائِلٌ عَنْكُمْ، كَمَا زَالَ عَمَّنْ كان قبلكم. وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَأَى مَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْغُوطَةِ مِنَ الْبُنْيَانِ وَنَصْبِ الشَّجَرِ، قَامَ فِي مَسْجِدِهِمْ فَنَادَى: يَا أَهْلَ دِمَشْقَ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ، أَلَا تَسْتَحْيُونَ، تَجْمَعُونَ مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَتَأْمُلُونَ مَا لَا تدركون، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون، وَيَبْنُونَ فَيُوثِقُونَ، وَيَأْمُلُونَ فَيُطِيلُونَ، فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا، وَأَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا، وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا، أَلَا إِنَّ عَادًا مَلَكَتْ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعُمَانَ خَيْلًا وَرِكَابًا، فَمَنْ يَشْتَرِي مِنِّي مِيرَاثَ عَادٍ بدرهمين؟.
وقوله وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ أي يصفهم بِالْقُوَّةِ وَالْغِلْظَةِ وَالْجَبَرُوتِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ أَيِ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَأَطِيعُوا رَسُولَكُمْ، ثُمَّ شَرَعَ يُذَكِّرُهُمْ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أَيْ إِنْ كَذَّبْتُمْ وَخَالَفْتُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ بِالتَّرْغِيبِ والترهيب، فما نفع فيهم.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٣٦ الى ١٤٠]
قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عن جواب قوم هود له بعد ما حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ، وَرَغَّبَهُمْ وَرَهَّبَهُمْ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقَّ وَوَضَّحَهُ قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ أَيْ لَا نَرْجِعُ عَمَّا نحن عليه وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هُودٍ: ٥٣] وَهَكَذَا الْأَمْرُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [الْبَقَرَةِ: ٦] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [يونس: ٩٦- ٩٧] الآية، وَقَوْلُهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قَرَأَ بعضهم إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَسْكِينِ اللَّامِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْعَوْفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ وَمُجَاهِدٍ: يَعْنُونَ مَا هَذَا الَّذِي جِئْتِنَا بِهِ إِلَّا أَخْلَاقُ الْأَوَّلِينَ، كَمَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الْفُرْقَانِ: ٥] وَقَالَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْفُرْقَانِ: ٤] وَقَالَ وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النَّحْلِ: ٢٤] .
وَقَرَأَ آخَرُونَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ، يَعْنُونَ دِينَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ هُوَ دين الأولين مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَنَحْنُ تَابِعُونَ لَهُمْ سَالِكُونَ وَرَاءَهُمْ، نَعِيشُ كَمَا عَاشُوا، وَنَمُوتُ كَمَا مَاتُوا، وَلَا بَعْثَ وَلَا مَعَادَ، وَلِهَذَا قَالُوا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ يَقُولُ: دِينُ الْأَوَّلِينَ. وَقَالَهُ عِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute