للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وكذبوه وخالفوه، وأخبرهم أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَطْلَبُ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثم ذكرهم آلاء الله عليهم، فقال:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٤٦ الى ١٥٢]

أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠)

وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢)

يقول لهم واعظا لهم، ومحذرهم نِقَمَ اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ، وَمُذَكِّرًا بِأَنْعُمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ وَجَعَلَهُمْ فِي أَمْنٍ مِنَ الْمَحْذُورَاتِ، وَأَنْبَتَ لَهُمْ من الجنات، وفجر لَهُمْ مِنَ الْعُيُونِ الْجَارِيَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثَّمَرَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ. قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْنَعَ وَبَلَغَ، فَهُوَ هَضِيمٌ «١» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ يَقُولُ: معشبة. وقال إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو- وَقَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ قَالَ: إِذَا رَطُبَ وَاسْتَرْخَى، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ نَحْوُ هَذَا.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ قَالَ: هُوَ الْمُذَنَّبُ مِنَ الرُّطَبِ، وقال مجاهد: هو الذي إذا يبس تَهَشَّمَ وَتَفَتَّتَ وَتَنَاثَرَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عبد الكريم، وأبا أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ قَالَ: حِينَ يَطْلُعُ تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتَهْضِمُهُ، فَهُوَ مِنَ الرُّطَبِ الْهَضِيمِ، وَمِنَ الْيَابِسِ الْهَشِيمِ، تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتُهَشِّمُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وقَتَادَةُ:

الْهَضِيمُ الرَّطْبُ اللَّيِّنُ. وَقَالَ الضَّحَاكُ: إِذَا كَثُرَ حِمْلُ الثَّمَرَةِ وركب بعضها بَعْضًا، فَهُوَ هَضِيمٌ.

وَقَالَ مُرَّةُ: هُوَ الطَّلْعُ حِينَ يَتَفَرَّقُ وَيَخْضَرُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا نَوَى لَهُ، وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: ما رأيت الطلع حين ينشق عَنْهُ الْكُمُّ؟ فَتَرَى الطَّلْعَ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَهُوَ الْهَضِيمُ.

وَقَوْلُهُ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي حَاذِقِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: شَرِهِينَ أَشِرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُجَاهِدٍ وَجَمَاعَةٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ تِلْكَ الْبُيُوتَ الْمَنْحُوتَةَ فِي الْجِبَالِ أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى سُكْنَاهَا، وَكَانُوا حَاذِقِينَ مُتْقِنِينَ لِنَحْتِهَا وَنَقْشِهَا، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ حَالِهِمْ لِمَنْ رَأَى مَنَازِلَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ أَيْ أقبلوا على مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم لتعبدوه وتوحدوه وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ يَعْنِي رُؤَسَاءَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ، الدُّعَاةَ لَهُمْ إِلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ومخالقة الحق.


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>