للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٤]

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ لُوطُ بْنُ هاران بن آزار وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَعَثَهُ إِلَى أُمَّةٍ عظيمة في حياة إبراهيم عليهما السلام، وَكَانُوا يَسْكُنُونَ سَدُومَ وَأَعْمَالَهَا الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ بِهَا، وَجَعَلَ مَكَانَهَا بُحَيْرَةً مُنْتِنَةً خَبِيثَةً، وَهِيَ مشهورة ببلاد الغور بناحية مُتَاخِمَةٌ لِجِبَالِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْكُرْكِ وَالشَّوبَكِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ يُطِيعُوا رَسُولَهُمُ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَارْتِكَابِ مَا كَانُوا قَدِ ابتدعوه في العالم مما لم يسبقهم أحد من الخلائق إلى فعله، من إتيان الذكور دون الإناث، ولهذا قال تعالى:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٦٥ الى ١٧٥]

أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩)

فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤)

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)

لما نهاهم نبي الله عن ارتكاب الْفَوَاحِشَ، وَغَشَيَانِهِمُ الذُّكُورَ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى إِتْيَانِ نِسَائِهِمُ اللاتي خلقهن الله لهم، ما كان جوابهم لَهُ إِلَّا أَنْ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ أي عَمَّا جِئْتَنَا بِهِ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ أَيْ نَنْفِيكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الْأَعْرَافِ: ٨٢] فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَرْتَدِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَأَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، تبرأ منهم وقال إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ أَيِ الْمُبْغِضِينَ، لَا أحبه ولا أرضى به، وإني بريء منكم، ثم دعا الله عليهم فقال رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ أَيْ كُلَّهُمْ.

إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَكَانَتْ عَجُوزَ سُوءٍ بَقِيَتْ فَهَلَكَتْ مَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْ قَوْمِهَا، وَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ في سورة الأعراف وهود، وَكَذَا فِي الْحِجْرِ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يسري بأهله إلا امرأته، وأنهم لا يلتفتوا إِذَا سَمِعُوا الصَّيْحَةَ حِينَ تَنْزِلُ عَلَى قَوْمِهِ، فَصَبَرُوا لِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَمَرُّوا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أُولَئِكَ الْعَذَابَ الَّذِي عَمَّ جَمِيعَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال تعالى: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً- إلى قوله- وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>