للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَرْضُهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبر جد واللؤلؤ، وكان إنما يخدمها النساء، ولها سِتُّمِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِي الْخِدْمَةَ، قَالَ عُلَمَاءُ التَّارِيخِ: وَكَانَ هَذَا السَّرِيرُ فِي قَصْرٍ عَظِيمٍ مَشِيدٍ رفيع البناء محكم، وكان فيه ثلاثمائة وستون طاقة من مشرقه ومثلها من مغربه، قَدْ وُضِعَ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنْ تَدْخُلَ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ طَاقَةٍ، وَتَغْرُبَ مِنْ مُقَابَلَتِهَا فَيَسْجُدُونَ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَلِهَذَا قَالَ: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أَيْ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ.

وَقَوْلُهُ: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ مَعْنَاهُ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ أَيْ لَا يَعْرِفُونَ سَبِيلَ الْحَقِّ الَّتِي هِيَ إِخْلَاصُ السُّجُودِ لِلَّهِ وَحْدَهُ دون ما خلق مِنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فُصِّلَتْ: ٣٧] وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَلَا يَا اسْجُدُوا لِلَّهِ جَعَلَهَا أَلَا الاستفتاحية، ويا لِلنِّدَاءِ، وَحُذِفَ الْمُنَادَى تَقْدِيرُهُ عِنْدَهُ أَلَا يَا قَوْمِ اسْجُدُوا لِلَّهِ.

وَقَوْلُهُ: الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْلَمُ كُلَّ خَبِيئَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْخَبْءُ الْمَاءُ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:

خَبْءُ السموات والأرض ما جعل فيهما مِنَ الْأَرْزَاقِ، الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّبَاتُ مِنَ الْأَرْضِ «١» . وَهَذَا مُنَاسِبٌ مِنْ كَلَامِ الْهُدْهُدِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْخَاصِّيَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَرَى الْمَاءَ يجري في تخوم الأرض وداخلها.

وَقَوْلُهُ: وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ أَيْ يَعْلَمُ مَا يُخْفِيهِ الْعِبَادُ وَمَا يُعْلِنُونَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ

[الرَّعْدِ: ١٠] وَقَوْلُهُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أي هو المدعو وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَلَمَّا كَانَ الْهُدْهُدُ دَاعِيًا إِلَى الْخَيْرِ، وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَالسُّجُودِ لَهُ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ:

النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ والهدهد والصرد «٢» ، وإسناده صحيح.


(١) انظر تفسير الطبري ٩/ ٥١١.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١٦٤، وابن ماجة في الصيد باب ١٠، وأحمد في المسند ١/ ٣٣٢، ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>