للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقوله تعالى: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى. ثُمَّ شَرَعَ تَعَالَى يُبَيِّنُ أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالتَّدْبِيرِ دُونَ غيره، فقال تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ أي خلق تلك السموات في ارتفاعها وَصَفَائِهَا. وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ النَّيِّرَةِ والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة. وخلق الأرض في استفالها وكثافتها وما جعل فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار، والفيافي والقفار، والزروع والأشجار، والثمار والبحار، وَالْحَيَوَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْنَافِ وَالْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ وَغَيْرِ ذلك.

وقوله تعالى: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً أَيْ جَعَلَهُ رِزْقًا لِلْعِبَادِ فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ أَيْ بَسَاتِينَ ذاتَ بَهْجَةٍ أَيْ مَنْظَرٍ حَسَنٍ وَشَكْلٍ بَهِيٍّ مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَيْ لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها. وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُسْتَقِلُّ بِذَلِكَ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ كَمَا يَعْتَرِفُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزُّخْرُفِ: ٨٧] وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٣] أَيْ هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ثُمَّ هُمْ يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّا يَعْتَرِفُونَ أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ، مَنْ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَلِهَذَا قال تعالى:

أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ أَيْ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ يُعْبَدُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ وَلِكُلِّ ذِي لُبٍّ مما يعترفون بِهِ أَيْضًا أَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ.

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ فَعَلَ هَذَا وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ ثَمَّ أَحَدٌ فَعَلَ هَذَا مَعَهُ بَلْ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ فَيُقَالُ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ المستقل المتفرد بالخلق والرزق والتدبير؟ كما قال تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل: ١٧] الآية. وقوله تعالى هاهنا: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَمَّنْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا تَقْدِيرُهُ أَمَّنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا؟ هَذَا مَعْنَى السِّيَاقِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ الْآخَرُ لِأَنَّ فِي قُوَّةِ الْكَلَامِ مَا يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ آللَّهُ تعالى:

آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ.

ثُمَّ قَالَ فِي الآية الأخرى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَيْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عدلا ونظيرا. وهكذا قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزُّمَرِ: ٩] أَيْ أَمَّنْ هُوَ هَكَذَا كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الزُّمَرِ: ٩] أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزُّمَرِ: ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى:

أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرَّعْدِ: ٣٣] أَيْ أَمَنْ هُوَ شَهِيدٌ عَلَى أفعال الخلق

<<  <  ج: ص:  >  >>