للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنَانِ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ، وَجَعَلَ اللَّهُ مَكَانَهَا بُحَيْرَةً خَبِيثَةً مُنْتِنَةً، وَجَعَلَهُمْ عِبْرَةً إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْمَعَادِ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً أَيْ وَاضِحَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ

[الصافات: ١٣٧- ١٣٨] .

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]

وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧)

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَنْذَرَ قَوْمَهُ أَهْلَ مَدْيَنَ، فَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ يَخَافُوا بَأْسَ اللَّهِ وَنِقْمَتَهُ وَسَطْوَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ وَاخْشَوُا الْيَوْمَ الْآخِرَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الممتحنة: ٦] وقوله: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ نَهَاهُمْ عَنِ الْعَيْثِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَهُوَ السَّعْيُ فِيهَا وَالْبَغْيُ عَلَى أَهْلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْقِصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى النَّاسِ، هَذَا مَعَ كَفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرَجْفَةٍ عَظِيمَةٍ زَلْزَلَتْ عَلَيْهِمْ بِلَادَهُمْ، وَصَيْحَةٍ أَخْرَجَتِ الْقُلُوبَ مِنْ حَنَاجِرِهَا، وَعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ الَّذِي أَزْهَقَ الْأَرْوَاحَ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا، إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُمْ مَبْسُوطَةً فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَهُودٍ وَالشُّعَرَاءِ. وَقَوْلُهُ: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ قَالَ قَتَادَةُ: مَيِّتِينَ، وَقَالَ غيره: قد ألقى بعضهم على بعض.

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]

وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم، وأخذهم بالانتقام منهم، فعاد قوم هود عليه السلام كانوا يسكنون الأحقاف، وهي قريبة من حضر موت بلاد اليمن، وثمود قوم صالح كانوا يَسْكُنُونَ الْحِجْرَ قَرِيبًا مِنْ وَادِي الْقُرَى، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ مَسَاكِنَهُمَا جَيِّدًا، وَتَمُرُّ عَلَيْهَا كَثِيرًا، وَقَارُونُ صَاحِبُ الْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ وَمَفَاتِيحِ الْكُنُوزِ الثَّقِيلَةِ، وَفِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ فِي زَمَانِ مُوسَى وَوَزِيرُهُ هامان القبطيان الكافران بالله تعالى


(١) تفسير الطبري ١٠/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>