للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ يَعْنِي خَلَقَ أَبَا الْبَشَرِ آدَمَ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أَيْ يتناسلون كذلك من نطفة مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ سَوَّاهُ يَعْنِي آدَمَ لَمَّا خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ، خلقا سَوِيًّا مُسْتَقِيمًا وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ يَعْنِي الْعُقُولَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ أَيْ بِهَذِهِ الْقُوَى الَّتِي رَزَقَكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اسْتَعْمَلَهَا فِي طاعة ربه عز وجل.

[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٠ الى ١١]

وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي اسْتِبْعَادِهِمُ الْمَعَادَ حَيْثُ قالوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَيْ تَمَزَّقَتْ أَجْسَامُنَا وَتَفَرَّقَتْ في أجزاء الأرض وذهبت أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي أإنا لَنَعُودُ بَعْدَ تِلْكَ الْحَالِ؟ يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَتِهِمُ الْعَاجِزَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ الَّذِي بَدَأَهُمْ وَخَلَقَهُمْ مِنَ الْعَدَمِ، الَّذِي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَلِهَذَا قال تعالى: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ثُمَّ قَالَ تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِعِزْرَائِيلَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَلَهُ أَعْوَانٌ، وَهَكَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَعْوَانَهُ يَنْتَزِعُونَ الْأَرْوَاحَ مِنْ سَائِرِ الْجَسَدِ حَتَّى إِذَا بلغت الحلقوم وتناولها مَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ مُجَاهِدٌ:

حُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ فجعلت مثل الطست يتناول منها متى يَشَاءُ، وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ مُرْسَلًا، وَقَالَهُ ابن عباس رضي الله عنهما.

وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمر بن سمرة عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ» فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: يَا مُحَمَّدُ طِبْ نَفْسًا وَقَرَّ عَيْنًا، فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ رَفِيقٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا شَعْرٍ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ إلا وأنا أتصفحهم فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، حَتَّى إِنِّي أَعْرِفُ بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَوْ أَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْآمِرُ بِقَبْضِهَا.

قَالَ جَعْفَرُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَصَفَّحَهُمْ عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا حَضَرَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ دَنَا مِنْهُ الْمَلَكُ وَدَفَعَ عَنْهُ الشَّيْطَانَ، وَلَقَّنَهُ الْمَلَكُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ الْعَظِيمَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ شعر أو مدر إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>