وملك الموت يطوف بِهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَاللَّهِ مَا مِنْ بَيْتٍ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَقُومُ عَلَى بَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَنْظُرُ هَلْ فِيهِ أَحَدٌ أُمِرَ أَنْ يَتَوَفَّاهُ، رَوَاهُ ابْنُ أبي حاتم. وقوله تعالى: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ أَيْ يَوْمَ مَعَادِكُمْ وقيامكم من قبوركم لجزائكم.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٢ الى ١٤]
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)
يُخْبِرُ تَعَالَى عن حال المشركين يوم القيامة وقالهم حِينَ عَايَنُوا الْبَعْثَ وَقَامُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل، حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ نَاكِسِي رُؤُوسِهِمْ، أَيْ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْخَجَلِ يَقُولُونَ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أَيْ نَحْنُ الْآنَ نَسْمَعُ قَوْلَكَ وَنُطِيعُ أَمْرَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مَرْيَمَ: ٣٨] وَكَذَلِكَ يَعُودُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ إِذَا دَخَلُوا النَّارَ بِقَوْلِهِمْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ [الْمُلْكِ: ١٠] وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا أَيْ إلى دار الدُّنْيَا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ أَيْ قَدْ أيقنا وتحققنا فيها أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَقَدْ عَلِمَ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُمْ إِلَى دار الدُّنْيَا لَكَانُوا كَمَا كَانُوا فِيهَا كُفَّارًا يُكْذِّبُونَ بآيات الله ويخالفون رسله، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يَا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام: ٢٧- ٢٩] الآية، وَقَالَ هَاهُنَا وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يُونُسَ: ٩٩] وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أَيْ مِنَ الصِّنْفَيْنِ فَدَارُهُمُ النَّارُ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا وَلَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ مِنْ ذَلِكَ، فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا أَيْ يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ: ذُوقُوا هَذَا الْعَذَابَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِكُمْ بِهِ وَاسْتِبْعَادِكُمْ وُقُوعَهُ وَتَنَاسِيكُمْ لَهُ إِذْ عَامَلْتُمُوهُ مُعَامَلَةَ مَنْ هُوَ نَاسٍ لَهُ إِنَّا نَسِيناكُمْ أَيْ سَنُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنْسَى شَيْئًا وَلَا يَضِلُّ عَنْهُ شَيْءٌ، بَلْ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الْجَاثِيَةِ:
٣٤] وَقَوْلُهُ تعالى: وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَيْ بسبب كفركم وتكذيبكم، كما قال تعالى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً- إلى قوله- فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً [النبأ: ٢٤- ٣٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute