للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْزَابِ فَقَالَ «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الْأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ» «١» .

وَفِي قَوْلِهِ عز وجل وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ إِشَارَةٌ إِلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ بَعْدَهَا لَمْ يَغُزْهُمُ الْمُشْرِكُونَ بَلْ غَزَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، لَمَّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنِ الْخَنْدَقِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغْنَا «لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُونَهُمْ» فلم تغز قريش بعد ذلك، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ يَغْزُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ تعالى مَكَّةَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قال: سمعت سليمان بن صرد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم الأحزاب «الآن نغزوهم ولا يغزوننا» وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «٣» فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً أَيْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ رَدَّهُمْ خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، وَأَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَصَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ رَسُولَهُ وعبده، فله الحمد والمنة.

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]

وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧)

قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا قَدِمَتْ جُنُودُ الْأَحْزَابِ وَنَزَلُوا عَلَى الْمَدِينَةَ، نَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَهْدِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِسِفَارَةِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النَّضْرِيِّ لَعَنَهُ اللَّهُ، دَخَلَ حِصْنَهُمْ وَلَمْ يَزَلْ بِسَيِّدِهِمْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ حَتَّى نَقَضَ الْعَهْدَ، وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: وَيْحَكَ قَدْ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، أَتَيْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَأَحَابِيشِهَا، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون هاهنا حتى يستأصلون مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: بَلْ وَاللَّهِ أَتَيْتَنِي بِذُلِّ الدَّهْرِ، وَيْحَكَ يَا حَيِّيُّ إِنَّكَ مشؤوم، فَدَعْنَا مِنْكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَفْتِلُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى أَجَابَهُ، وَاشْتَرَطَ لَهُ حُيَيُّ إِنْ ذَهَبَ الْأَحْزَابُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي الْحِصْنِ، فَيَكُونُ لَهُ أُسْوَتُهُمْ، فَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْظَةُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاءَهُ وَشَقَّ عليه وعلى المسلمين جدا.

فلما أيده الله تعالى ونصره وَكَبَتَ الْأَعْدَاءَ وَرَدَّهُمْ خَائِبِينَ بِأَخْسَرِ صَفْقَةٍ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمَدِينَةِ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا، وَوَضَعَ النَّاسُ السِّلَاحَ، فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ


(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ٩٨، ١١٢، والمغازي باب ٢٩، ومسلم في الجهاد حديث ٢٠.
(٢) المسند ٤/ ٢٦٢.
(٣) كتاب المغازي باب ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>