للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي ذو العزة الذي قَدْ قَهَرَ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ، الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تبارك وتعالى وتقدس عما يقولون علوا كبيرا، والله أعلم.

[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)

يقول تعالى لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليما وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً أي إلا إلى جميع الخلائق من المكلفين كقوله تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الْأَعْرَافِ: ١٥٨] تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الْفُرْقَانِ: ١] ، بَشِيراً وَنَذِيراً أَيْ تُبَشِّرُ مَنْ أَطَاعَكَ بِالْجَنَّةِ وَتُنْذِرُ مَنْ عَصَاكَ بِالنَّارِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كقوله عز وجل: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يُوسُفَ: ١٠٣] وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الْأَنْعَامِ: ١١٦] .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كعب في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ يَعْنِي إِلَى النَّاسِ عَامَّةً. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أرسل اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَرَبِ والعجم، فأكرمهم على الله تبارك وتعالى أَطْوَعُهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ يَعْنِي ابْنَ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عباس رضي الله عنهما يقول: إن الله تعالى فَضَّلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ. قَالُوا: يَا ابْنَ عباس فيم فضله على الأنبياء؟

قال رضي الله عنه: إن الله تعالى قَالَ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ فأرسله الله تعالى إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عباس رضي الله عنهما قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَفْعُهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خاصة وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» «١» وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ» «٢» قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْجِنَّ وَالْإِنْسَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنِي الْعَرَبَ والعجم، والكل صحيح.


(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٢٢، والصلاة باب ٥٦، والتيمم باب ١، ومسلم في المساجد حديث ٣، ٥، ٧، ٨.
(٢) أخرجه مسلم في المساجد حديث ٣ والدارمي في السير باب ٢٨ وأحمد في المسند ١/ ٢٥٠، ٣٠١، ٤/ ٤١٦، ٥/ ١٤٥، ١٤٨، ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>