للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْتِ، وَقِيلَ أَرَادَ إِنِّي سَقِيمٌ أَيْ مَرِيضُ الْقَلْبِ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تعالى، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عِيدِهِمْ فَأَرَادُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَاضْطَجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي السَّمَاءِ فَلَمَّا خَرَجُوا أَقْبَلَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَكَسَرَهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أَيْ إِلَى عِيدِهِمْ فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ أَيْ ذَهَبَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا فِي سُرْعَةٍ وَاخْتِفَاءٍ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيهَا طَعَامًا قربانا لتبارك لَهُمْ فِيهِ. قَالَ السُّدِّيُّ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ فَإِذَا هُمْ فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ وَإِذَا مُسْتَقْبِلُ بَابِ الْبَهْوِ صَنَمٌ عظيم إلى جنبه أَصْغَرُ مِنْهُ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ حَتَّى بَلَغُوا بَابَ الْبَهْوِ وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا وَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِي الْآلِهَةِ وَقَالُوا إِذَا كَانَ حِينَ نرجع وقد باركت الْآلِهَةُ فِي طَعَامِنَا أَكَلْنَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ قَالَ الْفَرَّاءُ مَعْنَاهُ مَالَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْجَوْهَرِيُّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. وَإِنَّمَا ضَرَبَهُمْ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ وَأَنْكَى وَلِهَذَا تَرَكَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ كَمَا تَقَدَّمَ في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تفسير ذلك. وقوله تعالى هَاهُنَا: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَيْ يُسْرِعُونَ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ هَاهُنَا مُخْتَصَرَةٌ وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ مَبْسُوطَةٌ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا مَا عَرَفُوا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى كَشَفُوا وَاسْتَعْلَمُوا فَعَرَفُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا جَاءُوا لِيُعَاتِبُوهُ أَخْذَ فِي تَأْنِيبِهِمْ وَعَيْبِهِمْ فَقَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ أَيْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَصْنَامِ مَا أَنْتُمْ تَنْحِتُونَهَا وَتَجْعَلُونَهَا بِأَيْدِيكُمْ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مصدرية فيكون تقدير الكلام خَلَقَكُمْ وَعَمَلَكُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي تَقْدِيرُهُ وَاللَّهُ خَلْقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَهُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ متلازم، والأول أظهر لما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عن أبي مالك عن ربعي بن خراش عن حذيفة مرفوعا قال: «إن الله تعالى يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ عَدَلُوا إِلَى أَخْذِهِ بِالْيَدِ وَالْقَهْرِ فَقَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وَنَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ وَأَظْهَرَهُ عَلَيْهِمْ وَأَعْلَى حَجَّتَهُ وَنَصَرَهَا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٩ الى ١١٣]

وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرى قالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)

وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨)

سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>